- واعلم أن إجماع سائر الأمم سوى هذه الأمة ليس بحجة وقال بعض الناس إجماع كل أمة حجة وهو اختيار الشيخ أبي إسحاق الاسفرائيني والدليل على فساد ذلك ما بينا أن الإجماع إنما صار حجة بالشرع والشرع لم يرد إلا بعصمة هذه الأمة فوجب جواز الخطأ على من سواها من الأمم .
- 1 - فصل .
وأما هذه الأمة فإجماع علماء كل عصر منهم حجة على العصر الذي بعدهم وقال داود إجماع غير الصحابة ليس بحجة والدليل على ما قلنا قوله تعال { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى } .
الآية ولم يفرق قوله A ( لا يخلو عصر من قائم لله D بحجة ) ولأنه اتفاق من علماء العصر على حكم الحادثة فأشبه الصحابة .
- 2 - فصل .
ويعتبر في صحة الإجماع اتفاق جميع علماء العصر على الحكم فإن خالف بعضهم لم يكن ذلك إجماعا ومن الناس من قال إن كان المخالفون أقل عددا من الموافقين لم يعتد بخلافهم وقال بعضهم إن كان المخالفون عدد لا يقع العلم بخبرهم لم يعتد بهم ومن الناس من قال إذا أجمع أهل الحرمين مكة والمدينة والمصرين و البصرة والكوفة لم يعتد بخلاف غيرهم وقال مالك إذا اجتمع أهل المدينة لم يعتد بخلاف غيرهم وقال الأبهري من أصحابه إنما أراد به فيما طريقه الأخبار كالأجناس والصاع وقال بعض أصحابه إنما أراد به الترجيح بنقلهم وقال بعضهم إنما أراد به في زمن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين . وقال بعض الفقهاء : إذا أجمع الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم لم يعتد بغيرهم وقال الرافضة إذا قال علي كرم الله وجهه شيئا لم يعتد بغيره والدليل على فساد هذه الأقاويل أن الله سبحانه إنما أخبر عن عصمة جميع الأمة فدل على جواز الخطأ على بعضهم .
- 3 - فصل .
ويعتبر في صحة الإجماع اتفاق كل من كان من أهل الاجتهاد سواء كان مدرسا مشهورا أو خاملا مستورا وسواء كان عدلا أمينا أو فاسقا متهتكا لأن المعول في ذلك على الاجتهاد والمهجور كالمشهور والفاسق كالعدل في ذلك .
- 4 - فصل .
ولا فرق بين أن يكون المجتهد من أهل عصرهم أو لحق بهم من العصر الذي بعدهم وصار من أهل الاجتهاد وعند الحادثة كالتابعي إذا أدرك الصحابة في حال حدوث الحادثة وهو من أهل الاجتهاد ومن أصحابنا من قال لا يعتد بقول التابعين مع الصحابة والدليل على ما قلناه هو أن سعيد بن المسيب والحسن وأصحاب عبد الله بن مسعود كشريح والأسود وعلقمة كانوا يجتهدون في زمن الصحابة ولم ينكر عليهم أحد ولأنه من أهل الاجتهاد عند حدوث ( صفحة 50 ) الحادثة فاعتد بقوله كأصاغر الصحابة .
- 5 - فصل .
وأما من خرج من الملة بتأويل أو من غير تأويل فلا يعتد بقوله في الإجماع فإن أسلم وصار من أهل الاجتهاد عند الحادثة اعتبر قوله وإن انعقد الإجماع وهو كافر ثم أسلم وصار من أهل الاجتهاد فإن قلنا أن انقراض العصر ليس بشرط لم يعتبر قوله وإن قلنا إنه شرط اعتبر قوله فإن خالفهم لم يكن إجماعا .
- 6 - فصل .
وأما من لم يكن من أهل الاجتهاد في الأحكام كالعامة والمتكلمين والأصوليين لم يعتبر قولهم في الإجماع وقال بعض المتكلمين يعتبر قول العامة في الإجماع وقال بعضهم يعتبر قول المتكلمين والأصوليين وهذا غير صحيح لأن العامة لا يعرفون طرق الاجتهاد فهم كالصبيان وأما المتكلمون والأصوليين فلا يعرفون جميع طرق الأحكام فلا يعتبر قولهم كالفقهاء إذا لم يعرفوا أصول الفقه