اعلم أن الإجماع يعرف بقول وفعل وقول وإقرار وفعل وإقرار فأما القول فهو أن يتفق قول الجميع على الحكم بأن يقولوا كلهم هذا حلال أو حرام والفعل أن يفعلوا كلهم الشيء وهل يشترط انقراض العصر في هذا أم لا ؟ فيه وجهان من أصحابنا من قال يشترط فيه انقراض العصر وإذا لم ينقرض العصر لم يكن إجماعا ولا حجة ومنهم من قال إنه إجماع ولا يشترط فيه انقراض العصر وهو الأصح لقوله A ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) ولأن من جعل قوله حجة لم يعتبر موته في كونه حجة كالرسول A فإذا قلنا أن ذلك إجماع فإذا أجمعت الصحابة على قول ولم ينقرضوا لم يجز لأحد منهم أن يرجع عما اتفقوا عليه وإن كبر منهم صغير وصار من أهل الاجتهاد بعد إجماعهم لم يعتبر قوله ولم تجز له مخالفتهم وإذا قلنا إنه ليس بإجماع وأن انقراض العصر شرط جاز لهم الرجوع عما اتفقوا عليه وجاز لمن كبر منهم وصار من أهل الاجتهاد أن يخالفهم .
- 1 - فصل .
وأما القول والإقرار فهو أن يقول بعضهم قولا فينشروا في الباقين فيسكتوا عن مخالفته والفعل والإقرار هو أن يفعل بعضهم شيئا فيتصل بالباقين فيسكتوا عن الإنكار عليه فالمذهب أن ذلك حجة وإجماع بعد انقراض العصر . وقال الصيرفي هو حجة ولكن لا يسمى إجماعا وقال أبو علي بن أبي هريرة إن كان ذلك فتيا فقيه فسكتوا عنه فهو حجة وإن كان حكم إمام أو حاكم لم يكن حجة وقال داود ليس بحجة بحال والدليل على ما قلناه أن العادة أن أهل الاجتهاد إذا سمعوا جوابا في حادثة حدثت اجتهدوا فاظهروا ما عندهم فلما لم يظهروا ( صفحة 49 ) الخلاف فيه دل على انهم راضون بذلك وأما قبل انقراض العصر ففيه طريقان من أصحابنا من قال ليس بحجة وجها واحدا ومنهم من قال هو على وجهين كالإجماع من جهة القول والفعل