والاختيار في الرواية أن يروي الخبر بلفظه لقوله A : ( نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمع رب حامل أفقه منه ) فإن أورد الرواية بالمعنى نظرت فإن كان ممن لا يعرف معنى الحديث لم يجز لأنه لا يؤمن أن يغير معنى الحديث وإن كان ممن يعرف معنى الحديث نظرت فإن كان ذلك في خبر محتمل لم يجز أن روي بالمعنى لأنه ربما نقل بلفظ لا يؤدي مراد الرسول A فلا يجوز أن يتصرف فيه وإن كان خبرا ظاهرا ففيه وجهان : من أصحابنا من قال لا يجوز لأنه ربما كان التعبد باللفظ كتكبير للصلاة . والثاني أنه يجوز وهو الأظهر لأنه يؤدي معناه فقام مقامه ولهذا روى عن النبي A أنه قال ( إذا أصبت المعنى فلا بأس ) .
- 1 - فصل .
والأولى أن يروى الحديث بتمامه فإن روي البعض وترك البعض لم يجز ذلك ( صفحة 44 ) على قول من يقول إن نقل الحديث بالمعنى لا يجوز وأما على قول من قال إن ذلك جائز فقد اختلفوا في هذا فمنهم من قال إن كان قد نقل ذلك هو أو غيره بتمامه مرة جاز أن ينقل البعض وإن لم يكن قد نقل ذلك لا هو ولا غيره لم يجز ومنهم من قال إن كان يتعلق بعضه ببعض لم يجز فإن كان الخبر يشتمل على حكمين لا يتعلق أحدهما بالآخر جاز نقل أحد الحكمين بترك الآخر وهو الصحيح ومن الناس من قال لا يجوز بكل حال والدليل على الصحيح هو أنه إذا تعلق بعضه ببعض كان في ترك بعضه تقرير لأنه ربما عمل بظاهره فيخل بشرط من شروط الحكم وإذا لم يتعلق بعضه ببعض فهو كالخبرين يجوز نقل أحدهما دون الآخر .
- 2 - فصل .
وينبغي لمن لا يحفظ الحديث أن يرويه من الكتاب فإن كان يحفظ فالأولى أن يرويه من كتاب لأنه أحوط فإن رواه من حفظه جاز وأما إذا لم يحفظ وعنده كتاب وفيه سماعه بخطه وهو يذكر أنه سمع جاز أن يرويه وإن لم يذكر كل حديث فيه وإن لم يذكر أنه سمع هذا الخبر فهل يجوز أن يرويه ؟ فيه وجهان : أحدهما يجوز وعليه يدل قوله في الرسالة والثاني لا يجوز وهو الصحيح لأنه لا يأمن أن يكون قد زور على خطه فلا تجوز الرواية بالشك . 3 - فصل .
فإذا روى عن شيخ ثم نسى الشيخ الحديث لم يسقط الحديث وقال الكرخي من أصحاب أبي حنيفة C : يسقط الحديث وهذا غير صحيح لأن الراوي عنه ثقة ويجوز أن يكون الشيخ قد نسى فلا تسقط رواية صحيحة في الظاهر فأما إ ذا جحد الشيخ الحديث وكذب الراوي عنه سقط الحديث لأنه قطع بالجحود ورد الحديث فتعارض روايته جحود الشيخ فسقطا ولا يكون هذا التكذيب قدحا في الرواية عنه لأنه كما يكذبه الشيخ فهو أيضا يكذب الشيخ . 4 - فصل .
فإذا قرأ الشيخ الحديث عليك جاز أن تقول سمعته وحدثني وأخبرني وقرأ علي سواء قال أروه عني أو لم يقل وإن أملى عليك جاز جميع ما ذكرناه ويجوز أن يقول أملى علي لأن جميع ذلك صدق فأما إذا قرأت عليه الحديث وهو ساكت يسمع لم يجز أن تقول سمعته ولا حدثني ولا أخبرني ومن الناس من قال يجوز ذلك وهذا خطأ لأنه لم يوجد شيء من ذلك فإن قال له هو كما قرأت عليك فأقرأ به جاز أن يقول أخبرني ولا يقول حدثني لأن الأخبار يستعمل في كل ما يتضمن الإعلام والحديث لا يستعمل إلا فيما سمعه مشافهة فأما إذا أجازه لم يجز أن يقول حدثني ولا أخبرني ويجوز أن يقول أجازني وأخبرني إجازة ويجب العمل به وقال بعض أهل الظاهر لا يجب العمل به وهذا خطأ لأن القصد أن يثبت ذلك عن النبي A فلا فرق بين النطق وبين ما يقوم مقامه فأما إذا كتب إليه رجل وعرف خطه جاز أن يقول كتب إلي به فأخبرني كتابة ومن أصحابنا من قال لا يعمل بالخط كما لا يعمل في الشهادة وهذا غير صحيح لأن الأخبار مبناها على حسن الظن . ( صفحة 45 )