قلنا لا نسلم أنهما يتساويان في البناء والتأويل بل لا بد أن يكون لأحدهما على الآخر مزية في البناء والترتيب والاستعمال والترجيح ولهذا إذا تناظر الخصمان بأن لمن يحضر ممن يعتقد أن كل مجتهد مصيب أن أحد الكلامين أظهر من الآخر .
وعلى أن هذا لو كان دليلا على أن كل مجتهد مصيب في الفروع لوجب أن يجعل دليلا على أن كل مجتهد مصيب في الأصول فإن الأشعرية والمعتزلة إذا تكلموا في مسألة تخليد الفساق استدل كل واحد منهم بظاهر القرآن ويتأول ظاهر خصمه بضرب من الدليل وكذلك في مسألة إثبات الرؤية وخلق الأفعال وكثير من مسائلهم ثم لا يقال إن الحق في جميع ذلك فإن الظواهر فيها متعارضة والتأويلات فيها متقابلة فكذلك في مسألتنا .
قالوا ولأن حمل الناس على مذهب واحد يؤدي إلى التضييق فوجب أن يجعل الجميع حقا ليتوسع الناس فيها .
قلنا لو كان هذا دليلا على أن الجميع حق لوجب على أن لا يلزم العمل بما ورد به النص والإجماع من الأحكام المغلقة لأن في ذلك تغليظا وتشديدا ولما بطل هذا بالإجماع بطل ما ذكروه أيضا .
ولأن المصلحة في الشرع لا تتعلق بما يميل إليه الطبع حتى يبني الأمر فيه على ما يميل الطبع إليه بل المصلحة متعلقة بما حكم الله D به فيجب أن يطلب ذلك بالدليل .
وعلى أنا نقلب هذا عليهم فنقول حمل الناس على قول واحد نفع لهم وأصلح فإنهم يتوافرون على طلبه وتمييزه من غيره فيتوفر أجرهم ويعظم ثوابهم فيجب أن يجعل الحق في واحد