فأما الموقف الذي يحكم به ويحيل تعديه فهو الإحاطة بأحكام الإلهيات على حقائقها وخواصها فأقصى إفضاء العقل الى أمور جملية منها والدليل القاطع في ذلك رأى الإسلاميين أن ما يتصف به حادث موسوم بحكم النهاية يستحيل أن يدرك حقيقة مالا يتناهى وعبر الأوائل عن ذلك بأن قالوا تصرف الإنسان في المعقولات بفيض ما يحتمله من العقل عليه ويستحيل أن يدرك الجزء الكل ويحيط جزء طبيعي له حكم عقلي بما وراء عالم الطبائع وهذه العبارات وإن كانت مستنكرة في الإسلام فهي محومة على الحقائق ولكن لا يعدم العاقل العلم بكلى ما وراء عالم الطبائع فأما الإحتواء على الحقيقة فهو حكم سلطنة الكل على الجزء .
وأما ما يحمل على تبلد العقل فهو ما يقتضيه طارىء من الإعتلال أو الاختلال ولا يكاد ينكر ذلك العاقل من نفسه ثم يتصدى له طوران أحدهما أن يعلم قصوره والمطلوب مضطرب العقل والثاني أن يتمارى أنه مضطرب العقل أم لا وبالجملة لا يحكم لمن هذا حاله بتوقف العقل كحكمنا الأول فيما تقدم 2 .
58 - وقد صار معظم الأوائل إلى أن درك خواص الأجسام وحقائقها من مواقف العقول فليس من الممكن أن يدرك بالعقل الخاصية الجاذبة للحديد