فقد نقل الرواة عن الشيخ أبي الحسن الأشعري Bه أنه كان يجوز تكليف مالا يطاق ثم نقلوا اختلافا عنه في وقوع ما جوزه من ذلك وهذا سوء معرفة بمذهب الرجل فإن مقتضى مذهبه أن التكاليف كلها واقعة على خلاف الاستطاعة وهذا يتقرر من وجهين .
أحدهما أن الاستطاعة عنده لا تتقدم على الفعل والأمر بالفعل يتوجه على المكلف قبل وقوعه وهو إذ ذاك غير مستطيع ولا يدفع ذلك قول القائل إن الأمر بالفعل نهى عن أضداده والمأمور بالفعل قبل الفعل إن لم يكن قادرا على الفعل فهو قادر على ضد من أضداده ملابس له فإنا سنوضح أن الأمر بالشيء لا يكون نهيا عن أضداده وأيضا فإن القدرة إذا قارنت الضد لم تقارن الأمربالفعل والفعل مقصود مأمور به وقد تحقق طلبه قبل القدرة عليه فهذا أحد الوجهين .
والثاني أن فعل العبد عنده واقع بقدرة الله تعالى والعبد مطالب بما هو من فعل ربه ولا ينجى من ذلك تمويه المموه بذكره الكسب فإنا سنذكر سر ما نعتقده في خلق الأعمال إذ لا يحتمله هذا الموضع .
28 - فإن قيل فما الصحيح عندكم في تكليف مالا يطاق قلنا إن أريد بالتكليف طلب الفعل فهو فيما لا يطاق محال من العالم باستحالة وقوع المطلوب وإن أريد به ورود الصيغة وليس المراد بها طلبا كقوله سبحانه وتعالى كونوا قردة خاسئين فهذا غير ممتنع فإن المراد بذلك كوناهم قردة خاسئين