المسالة الأولى في حقيقة هذا الإفتراق .
وهو يحتمل أن يكون افتراقا على ما يعطيه مقتضى اللفظ ويحتمل أم يكون مع زيادة قيد لا يقتضيه اللفظ بإطلاقه ولكن يحتمله كما كان لفظ الرقبة بمطلقها لا يشعر بكونها مؤمنة أو غير مؤمنة لكن اللفظ يقبله فلا يصح أن يراد مطلق الافتراق بحيث يطلق صور لفظ الاختلاف على معنى واحد لأنه يلزم أن يكون المختلفون في مسائل الفروع داخلين تحت إطلاق اللفظ وذلك باطل بالإجماع فإن الخلاف من زمان الصحابة إلى الآن واقع في المسائل الاجتهادية وأول ما وقع الخلاف في زمان الخلفاء الراشدين المهديين ثم في سائر الصحابة ثم التابعين ولم يعب أحد ذلك منهم وبالصحابة اقتدى من بعدهم في توسيع الخلاف فكيف أن يكون الافتراق في المذاهب مما يقتضيه الحديث ؟ وإنما يراد افتراق مقيد وإن لم يكن في الحديث نص عليه ففي الآيات مما يدل عليه قوله تعالى : { ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون } وقوله تعالى : { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء } وما أشبه ذلك الآيات الدالة على التفرق الذي صاروا به شيعا ومعنى صاروا شيعا أي جماعات بعضهم قد فارق البعض ليسوا على تآلف ولا تعاضد ولا تناصر بل على ضد ذلك فإن الإسلام واحد وأمره واحد فاقتضى أن يكون حكمه على الائتلاف التام لا على الاختلاف .
وهذه الفرقة مشعرة بتفرق القلوب المشعر بالعداوة والبغضاء ولذلك قال : .
{ واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } فبين أن التأليف إنما يحصل عند الاتئلاف على التعلق بمعنى واحد وأما إذا تعلقت كل شيعة بحبل غير ما تعلقت به الأخرى فلا بد من التفرق وهو معنى قوله تعالى : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } .
وإذا ثبت هذا نزل عليه لفظ الحديث واستقام معناه والله أعلم