والثالث من أسباب الخلاف التصميم على إتباع العوائد وإن فسدت أو كانت مخالفة للحق .
وهو إتباع ما كان عليه الآباء والأشياخ وأشباه ذلك وهو التقليد المذموم فإن الله ذم بذلك في كتابه بقوله : { إنا وجدنا آباءنا على أمة } الآية ثم قال : { قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون } وقوله : { هل يسمعونكم إذ تدعون * أو ينفعونكم أو يضرون } فنبههم على وجه الدليل الواضح فاستمسكوا بمجرد تقليد الآباء فقالوا : { بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون } وهو مقتضى الحديث المتقدم أيضا في قوله : .
[ اتخذ الناس رؤساء جهالا ] إلى آخره فإنه يشير إلى الاستنان بالرجال كيف كان .
وفيما يروى عن علي بن أبي طالب Bه : إياكم والاستنان بالرجال فإن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة ثم ينقلب لعلم الله فيه فيعمل أهل النار فيموت وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فينقلب لعلم الله فيعمل بعمل أهل الجنة فيموت وهو من أهل الجنة فإن كنتم لا بد فاعلين فبالأموات لا بالأحياء فهو إشارة إلى الأخذ بالاحتياط في الدين وأن الإنسان لا ينبغي له أن يعتمد على عمل أحد البتة حتى يتثبت فيه ويسأل عن حكمه إذ لعل المعتمد على عمله يعمل على خلاف السنة ولذلك قيل : لا تنظر إلى عمل العالم ولكن سله يصدقك وقالوا : ضعف الروية أن يكون رأى فلانا يعمل مثله ولعله فعله ساهيا وليس من هذا القبيل عمل أهل المدينة وما أشبه ذلك لأنه دليل ثابت عند جماعة من العلماء على وجه ليس مما نحن فيه .
وقول علي Bه : فإن كنتم لا بد فاعلين فبالأموات نكتة في الموضع .
يعني الصحابة ومن جرى مجراهم ممن يؤخذ بقوله ويعتمد على فتواه وأما غيرهم ممن لم يحل ذلك المحل فلا كأن يرى الإنسان رجلا يحسن اعتقاده فيه فيفعل فعلا محتملا أن يكون مشروعا أو غير مشروع فيقتدى به على الإطلاق ويعتمد عليه في التعبد ويجعله حجة في دين الله فهذا هو الضلال بعينه وما لم يتثبت بالسؤال والبحث عن حكم الفعل ممن هو أهل الفتوى .
وهذا الوجه هو الذي مال بأكثر المتأخرين من عوام المبتدعة إذا اتفق أن ينضاف إلى شيخ جاهل أو لم يبلغ مبلغ العلماء فيراه يعمل عملا فيظنه عبادة فيقتدى به كائنا ما كان ذلك العمل موافقا للشرع أو مخالفا ويحتج به على من يرشده ويقول : كان الشيخ فلان من الأولياء وكان يفعله وهو أولى أن يقتدى به علماء الظاهر فهو في الحقيقة راجع إلى تقليد من حسن ظنه فيه أخطأ أو أصاب كالذين قلدوا آباءهم سواء وإنما قصارى هؤلاء أن يقولوا : إن آباءنا أو شيوخنا لم يكونوا ينتحلون مثل هذه الأمور سدى .
وما هي إلا مقصودة بالدلائل والبراهين مع أنهم يرون أن لا دليل عليها ولا برهان يقود إلى القول بها