المثال الرابع : أن العلماء اختلفوا في الضرب بآلتهم .
إن العلماء اختلفوا في الضرب بآلتهم وذهب مالك إلى جواز السجن في التهم وإن كان السجن نوعا من العذاب ونص أصحابه على جواز الضرب وهو عند الشيوخ من قبيل تضمين الصناع فإنه لو لم يكن الضرب والسجن بالتهم لتعذر استخلاص الأموال من أيدي السراق والغصاب إذ قد يتعذر إقامة البينة فكانت المصلحة في التعذيب وسيلة إلى التحصيل بالتعيين والإقرار .
فإن قيل : هذا فتح باب التعذيب البريء قيل : ففي الإعراض عنه إبطال استرجاع الأموال بل الإضراب عن التعذيب أشد ضررا إذ لا يعذب أحد لمجرد الدعوى بل مع اقتران قرينة تحيك في النفس وتؤثر في القلب نوعا من الظن فالتعذيب في الغالب لا يصادف البريء وإن أمكن مصادفته فتغتفر كما اغتفرت في تضمين الصناع .
فإن قيل : لا فائدة في الضرب وهو لو أقر لم يقبل إقراره في تلك الحال فالجواب : .
إحداهما : أن يعين المتاع فتشهد عليه البينة لربه وهي فائدة ظاهرة .
والثانية : أن غيره قد يزدجر حتى لا يكثر الإقدام فتقل أنواع هذا الفساد .
وقد عد له سحنون فائدة ثالثة وهو الإقرار حالة التعذيب بأنه يؤخذ عنده بما أقر في تلك الحال قالوا : وهو ضعيف فقد قال الله تعالى : { لا إكراه في الدين } ولكن نزله سحنون على من أكره بطريق غير مشروع كما إذا أكره على طلاق زوجته أما إذا أكره بطريق صحيح فإنه يؤخذ به فالكافر يسلم تحت ظلال السيوف فإنه مأخؤذ به وقد تتفق له بهذه الفائدة على مذهب غير سحنون إذا أقر حالة التعذيب ثم تمادى على الإقرار بعد أمنه فيؤخذ به .
قال الغزالي بعد ما حكى عن الشافعي : أنه لا يقول بذلك وعلى الجملة فالمسألة في محل الإجتهاد ـ قال ـ ولسنا نحكم بمذهب مالك على القطع فإذا وقع النظر في تعارض المصالح كان ذلك قريبا من النظر في تعارض الأقيسة المؤثرة