فصل وأما ما قاله عز الدين .
وأما ما قاله عز الدين فالكلام فيه على ما تقدم فأمثلة الواجب منها من قبل ما لا يتم الواجب إلا به ـ كما قال ـ فلا يشترط أن يكون معمولا به في السلف ولا أن يكون له أصل في الشريعة على الخصوص لأنه من باب المصالح المرسلة لا البدع .
أما هذا الثاني فقد تقدم وأما الأول لو كان ثم من يسير إلى فريضة الحج طيرانا في الهواء أو مشيا على الماء لم يعد مبتدعا بمشيه كذلك لأن المقصود إنما هو التوصل إلى مكة لأداء الفرض وقد حصل على الكمال فكذلك هذا .
على أن هذه أشياء قد ذمها بعض من تقدم من المصنفين في طريقة التصوف وعدها من جملة ما ابتدع الناس وذلك غير صحيح ويكفي في رده إجماع الناس قبله على خلاف ما قال .
على أنه نقل عن القاسم بن مخيمرة : أنه ذكرت عنده العربية فقال : أولها كبر وآخرها بغي وحكي أن بعض السلف قال : النحو يذهب الخشوع من القلب ومن أراد أن يزدري الناس كلهم فلينظر في النحو ونقل نحو من هذه وهذه كلها لا دليل فيها على الذم لأنه لم يذم النحو من حيث هو بدعة بل من حيث ما يكتسب به أمر زائد كما يذم سائر علماء السوء لا لأجل علومهم بل لأجل ما يحدث لهم بالعرض من الكبر به والعجب وغيرهما ولا يلزم من ذلك كون العلم بدعة فتسمية العلوم التي يكتسب بها أمر مذموم بدعا إما على المجاز المحض من حيث لم يحتج إليها أولا ثم احيتج بعد أو من عدم المعرفة بموضوع البدعة إذ من العلوم الشرعية ما يداخل صاحبها الكبر والزهو وغيرهما ولا يعود ذلك عليها بذم .
ومما حكى بعض هذه المتصوفة عن بعض علماء الخلف قال : العلوم تسعة أربعة منها سنة معروفة من الصحابة والتابعين وخمسة محدثة لم تكن تعرف فيما سلف فأما الأربعة المعروفة فعلم الإيمان وعلم القرآن وعلم الآثار والفتاوى وأما الخمسة المحدثة : فالنحو والعروض وعلم المقاييس والجدل في الفقه وعلم المعقول بالنظر .
وهذا ـ إن صح نقله ـ فليس أولا كما قال فإن أهل العربية يحكون عن أبي الأسود الدؤلي أن علي بن أبي طالب Bه هو الذي أشار عليه بوضع شيء في النحو حين سمع أعرابيا قارئا { أن الله بريء من المشركين ورسوله } ـ بالجر ـ وقد روي عن ابن مليكة أن عمر بن الخطاب Bه أمر أن لا يقرأ القرآن إلا عالم باللغة وأمر أبا الأسود فوضع النحو والعروض من جنس النحو وإذا كانت الإشارة من واحد من الخلفاء الراشدين صار النحو والنظر في الكلام العربي من سنة الخلفاء الراشدين وإن سلم أنه ليس كذلك فقاعدة المصالح تعم علوم العربية أي تكون من قبيل المشروع فهي من جنس كتب المصحف وتدوين الشرائع وما ذكر عن القاسم بن مخيمرة قد رجع عنه .
قال أحمد بن يحيى ثعلبا ( ؟ ) قال : كان أحد الأئمة في الدين يعيب النحو ويقول : أول تعلمه شغل وآخره يزدري العالم به الناس فقرأ يوما : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } برفع الله ونصب العلماء فقيل له : كفرت من حيث لا تعلم : تجعل الله يخشى العلماء ؟ فقال : لا طعنت ( ؟ ) قال عن علم يدل إلى معرفة هذا أبدا .
قال عثمان بن سعيد الداني : الإمام الذي ذكره أحمد بن يحيى هم القاسم بن بن مخيمرة قال : وقد جرى لعبد الله بن أبي إسحاق مع محمد بن سيرين كلام وكان ابن سيرين ينتقص النحويين فاجتمعا في جنازة فقرأ ابن سيرين { إنما يخشى الله من عباده العلماء } برفع اسم الله فقال له ابن أبي إسحاق : كفرت يا أبا بكر تعيب على هؤلاء الذين يقيمون كتاب الله ؟ فقال ابن سيرين : إن كنت أخطأت فأستغفر الله .
وأما علم المقاييس فأصله في السنة ثم في علم السلف بالقياس ثم قد جاء في ذم القياس أشياء حملوها عل