الثالث أن يكون غير بالغ مبلغ المجتهدين .
والثالث : أن يكون غير بالغ مبلغ المجتهدين لكنه يفهم الدليل وموقعه ويصلح فهمه للترجيح بالمرجحات المعتبرة فيه تحقيق المناط ونحوه فلا يخلو إما أن يعتبر ترجيحه أو نظره أو لا فإن اعتبرناه صار مثل المجتهد في ذلك الوجه والمجتهد إنما هو تابع للعلم الحاكم ناظر نحوه متوجه شطره : فالذي يشبهه كذلك وإن لم نعتبره فلا بد من رجوعه إلى درجة العامي والعامي إنما اتبع المجتهد من جهة توجهه إلى صوب العلم الحاكم فكذلك من نزل منزلته .
ثم نقول : إن هذا مذهب الصحابة : أما النبي A فاتباعه للوحي أشهر من أن يذكر وأما أصحابه فاتباعهم له في ذلك من غير اعتبار بمؤالف أو مخالف شهير عنهم فلا نطيل الاستدلال عليه .
فعلى كل تقدير لا يتبع أحد من العلماء إلا من حيث هو متوجه نحو الشريعة قائم بحجتها حاكم بأحكامها جملة وتفصيلا وأنه من وجد متوجها غير تلك الوجهة في جزئية من الجزئيات أو فرع من الفروع لم يكن حاكما ولا استقام أن يكون مقتدى به فيما حاد فيه عن صوب الشريعة البتة .
فيجب إذا على الناظر في هذا الموضع أمران إذا كان عير مجتهد : .
أحدهما : أن لا يتبع العالم إلا من جهة ما هو عالم بالعلم المحتاج إليه ومن حيث هو طريق إلى استفادة ذلك العلم إذ ليس لصاحبه منه إلا كونه مودعا له ومأخوذا بأداء تلك الأمانة حتى إذا علم أو غلب على الظن أنه مخطىء فيما يلقى أو تارك لإلقاء تلك الوديعة على ما هي عليه أو منحرف عن صوبها بوجه من وجوه الانحراف توقف ولم يصر على الاتباع إلا بعد التبيين إذ ليس كل ما يلقيه العالم يكون حقا على الإطلاق لإمكان الزلل والخطأ وغلبة الظن في بعض الأمور وما اشبه ذلك .
أما إذا كان هذا المتبع ناظرا في العلم ومتبصرا فيما يلقى إليه كأهل العلم في زماننا فإن توصله إلى الحق سهل لأن المنقولات في الكتب إما تحت حفظه وإما معدة لأن يحققها بالمطالعة أو المذاكرة