و الثاني أن يوقن أنه لا تضاد بين آيات القرآن .
والثاني : أن يوقن أنه لا تضاد بين آيات القرآن ولا بين الأخبار النبوية ولا بين أحدهما مع الآخر بل الجميع جار على مهيع واحد ومنتظم إلى معنى واحد فإذا أداه بادىء الرأي إلى ظاهر اختلاف فواجب عليه أن يعتقد انتفاء الإختلاف لأن الله قد شهد له أن لا إختلاف فيه فليقف وقوف المضطر السائل عن وجه الجمع أو المسلم من غير اعتراق فإن كان الموضع مما يتعلق به حكم عملي فليلتمس المخرج حتى يقف على الحق اليقين أو ليبق باحثا إلى الموت ولا عليه من ذلك فإذا اتضح له المغزى وتبينت له الواضحة فلا بد له من أن يجعلها حاكمة في كل ما يعرض له من النظر فيها ويضعها نصب عينيه في كل مطلب ديني كما فعل من تقدمنا ممن أثنى الله عليهم .
فأما الأمر الأول : فهو الذي أغفله المبتدعون فدخل عليهم بسبب ذلك الاستدراك على الشرع وإليه مال كل من كان يكذب على النبي A فيقال له ذلك ويحذر ما في الكذب عليه من الوعيد فيقول : لم أكذب عليه وإنما كذبت له .
وحكي عن محمد بن سعيد المعروف بالأردني أنه قال : إذا كان الكلام حسنا لم أر بأسا أن أجعل له إسنادا فلذلك كان يحدث بالموضوعات وقد قتل في الزندقة وصلب .
وقد تقدم لهذا القسم أمثلة كثيرة .
وأما الأمر الثاني : فإن قوما أغفلوه أيضا ولم يمعنوا النظر حتى اختلف عليهم الفهم في القرآن والسنة فأحالوا بالأختلاف عليها تحسينا للظن بالنظر الأول وهذا هو الذي عاب رسول الله A من حال الخوارج حيث قال : [ يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ] فوصفهم بعدم الفهم للقرآن وعند ذلك خرجوا على أهل الإسلام إذ قالوا : لا حكم إلا لله وقد حكم الرجال في دين الله حتى بين لهم حبر القرآن عبد الله بن عباس Bهما معنى قوله تعالى : { إن الحكم إلا لله } على وجه أذعن بسببه منهم ألفان أو من رجع منهم إلى الحق وتمادى الباقون على ما كانوا عليه اعتقادا ـ والله أعلم ـ على قول من قال منهم : لا تناظروه ولا تخاصموه فإنه من الذين قال الله فيهم : { بل هم قوم خصمون } .
فتأملوا رحمكم الله كيف كان فهمهم في القرآن ثم لم يزل هذا الإشكال يعتري أقواما حتى اختلفت عليهم الآيات والأحاديث وتدافعت على أفهامهم فجعجعوا به قبل إمعان النظر