أساليب العربية في العام والخاص وما يراد ظاهرا وما لا يراد .
أما ألفاظها فظاهرة للعيان وأما معانيها وأساليبها فكان مما يعرف من معانيها اتساع لسانها وأن تخاطب بالشيء منه عاما ظاهرا يراد به الظاهر ويستغنى بأوله عن آخره وعاما ظاهرا يراد به العام ويدخله الخاص ويستدل إلى هذا ببعض الكلام وعاما ظاهرا يراد به الخاص وظاهرا يعرف في سياقه أن المراد به غير ذلك الظاهر والعلم بهذا كله موجود في أول الكلام أو وسطه أو آخره .
وتبتدىء الشيء من كلامها بين أول اللفظ فيه عن آخره أو بين آخره عن أوله ويتكلم بالشيء تعرفه بالمعنى دون اللفظ كما تعرف بالإشارة وهذا عندها من أفصح كلامها لانفرادها بعلمه دون غيرها ممن يجهله وتسمى الشيء الواحد بالأسماء الكثيرة وتوقع اللفظ الواحد للمعاني الكثيرة .
فهذه كلها معروفة عندها وتستنكر عند غيرها إلى غير ذلك من التصرفات التي يعرفها من زوال كلامهم وكانت له به معرفة وثبت رسوخه في علم ذلك .
فمثال ذلك أن الله تعالى خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل وقال تعالى : { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } فهذا من العام الظاهر الذي لا خصوص فيه فإن كل شيء من سماء وأرض وذي روح وشجر وغير ذلك فالله خالقه وكل دابة على الله رزقها { ويعلم مستقرها ومستودعها } .
وقال الله تعالى : { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه } فقوله : { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله } إنما أريد به من أطاق ومن لم يطق فهو عام المعنى وقوله : { ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه } عام فيمن أطاق ومن لم يطق فهو عام المعنى .
وقوله تعالى : { حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما } فهذا من العام المراد به الخاص لأنهما لم ستطعما جميع أهل القرية .
وقال تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا } فهذا عام لم يخرج عنه أحد من الناس وقال إثر هذا : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } فهذا خاص لأن التقوى إنما تكون على من عقلها من البالغين .
وقال تعالى : { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم } فالمراد بالناس الثاني الخصوص لا العموم وإلا فالمجموع لهم الناس ناس أيضا وهم قد خرجوا لكن لفظ الناس يقع على ثلاثة منهم وعلى جميع الناس وعلى ما بين ذلك فيصح أن يقال : إن الناس قد جمعوا لكم والناس الأول القائلون كانوا أربعة نفر .
وقال تعالى : { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له } فالمراد بالناس هنا الذين اتخذوا من دون الله إلها دون الإطفال والمجانين والمؤمنين .
وقال تعالى : { واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر } فظاهرا السؤال عن القرية نفسها وسياق قوله تعالى : { إذ يعدون في السبت } إلى آخر الاية يدل على أن المراد أهلها لأن القرية لا تعدو ولا تفسق .
وكذلك قوله تعلى : { وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة } الآية فإنه لما قال كانت ظالمة دل على أن المراد أهلها .
وقال تعالى : { واسأل القرية التي كنا فيها } الآية فالمعنى بين أن المراد أهل القرية ولا يختلف أهل العلم باللسان في ذلك لأن القرية والعير لا يخبران بصدقهم .
هذا كله معنى تقرير الشافعي C في هذه التصرفات الثابتة للعرب وهو بالجملة مبين أن القرآن لا يفهم إلا عليه وإنما أتى الشافعي بالنوع الأغمض من طرائق العرب لأن سائر أنواع التصرفات العربية قد بسطها أهلها وهم أهل النحو والتصريف وأهل المعاني والبيان وأهل الاشتقاق وشرح مفردات اللغة وأهل الأخبار المنقولة عن العرب لمقتضيات الأحوال فجميعه نزل به القرآن ولذلك أطلق عليه عبارة العربي