تنازع الفرق وتعبير كل منها عن نفسها .
فإذا كان كذلك فكل فرقة تنازع صاحبتها في فرقة النجاة ألا ترى أن المبتدع آخذ أبدا في تحسين حاليته شرعا وتقبيح حالة غيره ؟ فالظاهر يدعي أنه المبتع للسنة .
والغاش ( ؟ ) يدعي أنه الذي فهم الشريعة وصاحب نفي الصفات يدعي أنه الموحد .
والقائل باستقلال العبد يدعي أنه صاحب العدل وكذلك سمى المعتزلة أنفسهم أهل العدل والتوحيد .
والمشبه يدعي أنه المثبت لذات الباري وصفاته لأن نفي التشبيه عنده نفي محض وهو العدم .
وكذلك كل طائفة من الطوائف التي ثبت لها اتباع الشريعة أو لم يثبت لها .
وإذا رجعنا إلى الاستدلالات القرآنية أو الشنية على الخصوص فكل طائفة تتعلق بذلك أيضا .
فالخوارج تحتج بقوله E : [ لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله ] وفي رواية : .
[ لا يضرهم خلاف من خالفهم ومن قتل منهم دون ماله فهو شهيد ] .
والقاعدة يحتج بقوله : .
[ عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ] وقوله : [ كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل ] .
والمرجئي يتحج بقوله : [ من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه فهو في الجنة وإن زنى وإن سرق ] .
والمخالف له محتج بقوله : [ لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ] .
والقدري يحتج بقوله تعالى : { فطرة الله التي فطر الناس عليها } وبحديث : [ كل مولود يولد على الفطرة ] الحديث .
والمفوض يحتج بقوله تعالى : { ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها } وبحديث : [ اعملوا فكل ميسر لما خلق له ] .
والرافضة تحتج قوله E : [ ليردن الحوض أقوام ثم ليتخلفن دوني فأقول : يا رب أصحابي ! فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ثم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ] ويحتجون في تقديم علي Bه ك بـ : [ أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ] و : [ من كنت مولاه فعلي مولاه ] ومخالفوهم يحتجون في تقديم أبي بكر وعمر Bهما بقوله : [ اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ويأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر ] إلى أشباه ذلك مما يرجع إلى معناه .
والجمع محومون ـ في زعمهم ـ على الانتظام في سلك الفرقة الناجية وإذا كان كذلك أشكل على المبتدع في النظر ما كان عليه النبي A وأصحابه ولا يمكن أن يكون مذهبهم مقتضى هذه الظواهر فإنها متدافعة متناقضة وإنما يمكن الجمع فيها إذا جعل بعضها أصلا فيرد الآخر إلى ذلك الأصل بالتأويل .
وكذلك فعل كل واحدة من تلك الفرق تستمسك ببعض تلك الأدلة وترد ما سواها إليها أو تهمل اعتبارها بالترجيح إن كان الموضع من الظنيات التي يسوغ فيها الترجيح أو تدعي أن أصلها الذي ترجع إليه قطعي والمعارض له ظني فلا يتعارضان .
وإنما كانت طريقة الصحابة ظاهرة في الأزمنة المتقدمة أما وقد استقرت مآخذ الخلاف فمحال وهذا الموضع مما يتضمنه قول الله تعالى : { ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم } .
فتأملوا ـ رحمكم الله ـ كيف صار الاتفاق محالا في العادة ليصدق العقل بصحة ما أخبر الله به .
والحاصل أن تعيين هذه الفرقة الناجية في مثل زماننا صعب ومع ذلك فلا بد من النظر فيه وهو نكتة هذا الكتاب فليقع به فضل اعتناء ما هيأه الله وبالله التوفيق .
ولما كان ذلك يقتضي كلاما كثيرا أرجأنا القول فيه إلى باب آخر وذكره فيه على حدته إذ ليس هذا موضع ذكره والله المستعان