المسألة الحادية عشرة اتباع الأمة سنن من قبلها .
فإن الحديث الصحيح قال : .
[ لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذارع حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم ـ قلنا : يا رسول الله ! اليهود والنصارى ؟ ـ قال فمن ؟ ] زيادة إلى حديث الترمذي الغريب فدل ضرب المثال في التعيين على أن الاتباع في أعيان أفعالهم .
وفي الصحيح [ عن أبي واقد الليثي Bه : خرجنا مع رسول الله A قبل خيبر ونحن حديثو عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون حولها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط فقلنا : يا رسول الله ! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال لهم النبي A : الله أكبر كما قالت بنو إسرائيل { إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون } لتركبن سنن من كان قبلكم ] وصار حديث الفرق بهذا التفسير صادقا على أمثال البدع التي تقدمت لليهود والنصارى وأن هذه الأمة تبتدع في دين الله مثل تلك البدع وتزيد عليها ببدعة لم تتقدمها واحدة من الطائفتين ولكن هذه البدعة الزائدة إنما تعرف بعد معرفة البدع الأخر وقد مر أن ذلك لا يعرف أو لا يسوغ التعريف به وإن عرف فكذلك لا تتعين البدعة الزائدة والله أعلم .
وفي الحديث أيضا عن أي هريرة Bه أن رسول الله A قال : [ لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بما أخذ القرون من قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع فقال رجل : يا رسول الله ! كما فعلت فارس والروم ؟ قال : وهل الناس إلا أولئك ] وهو بمعنى الأول إلا أنه ليس فيه ضرب مثل فقوله : [ حتى تأخذ أمتي أخذ القرون من قبلها ] يدل على أنها تأخذ بمثل ما أخذوا به إلا أنه لا يتعين في الاتباع لهم أعيان بدعهم بل قد تتبعها في أعيانها وتتبعها في أشباهها فالذي يدل على الأول قوله : [ لتتبعن سنن من كان قبلكم ] الحديث فإنه قال فيه : [ حتى لو دخلوا في جحر ضب خرب لاتبعتموهم ] .
والذي يدل على الثاني قوله : [ فقلنا يا رسول الله : اجعل لنا ذات أنواط فقال عليه السلام : هذا كما قالت بنو إسرائيل : { إسرائيل البحر فأتوا } ] الحديث فإن اتخاذ ذات أنواط يشبه اتخاذ الآلهة من دون الله لا أنه هو بنفسه فلذلك لا يلزم الاعتبار بالمنصوص عليه ما لم ينص عليه مثله من كل وجه والله أعلم