الخاصية الثانية فراجعة إلى العلماء الراسخين في العلم .
وأما الخاصية الثانية فراجعة إلى العلماء الراسخين في العلم لأن معرفة المحكم والمتشابه راجع إليهم يعرفونها ويعرفون أهلها فهم المرجوع إليهم في بيان من هم متبع للمحكم فيقلد في الدين ومن هو المتبع للمتشابه فلا يقلد أصلا .
ولكن له علامة ظاهرة أيضا نبه عليها الحديث الذي فسرت الآية به قال فيه : .
فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم خرجه القاضي إسماعيل بن إسحاق وقد تقدم أول الكتاب فجعل من شأن المتبع للمتشابه أنه يجادل فيه ويقيم النزاع على الإيمان وسبب ذلك أن الزائغ المتبع لما تشابه من الدليل لا يزال في ريب وشك إذ المتشابه لا يعطى بيانا شافيا ولا يقف منه متبعه على حقيقة فاتباع الهوى يلجئه إلى التمسك به والنظر فيه لا يتخلص له فهو على شك أبدا وبذلك يفارق الراسخ في العلم لأن جداله إن افتقر إليه فهو في مواقع الإشكال العارض طلبا لإزالته فسرعان ما يزول إذا بين له موضع النظر .
وأما ذو الزيغ فإن هواه لا يخليه إلى طرح المتشابه فلا يزال في جدال عليه وطلب لتأويله .
ويدل على ذلك أن الآية نزلت في شأن نصارى نجران وقصدهم أن يناظروا رسول الله A في عيسى ابن مريم عليهما السلام وأنه الله أو أنه ثالث ثلاثة مستدلين بأمور متشابهات من قوله : فعلنا وخلقنا وهذا كلام جماعة ومن أنه يبرىء الأكمة والأبرص ويحيي الموتى وهو كلام طائفة أخرى ولم ينظروا إلى أصله ونشأته بعد أن لم يكن وكونه كسائر بني آدم يأكل ويشرب وتلحقه الآفات والأمراض والخبر مذكور في السير .
والحاصل : انهم إنما أتوا لمناظرة رسول الله A ومجادلته لا يقصدون اتباع الحق .
والجدال على هذا الوجه لا ينقطع ولذلك لما بين لهم الحق ولم يرجعوا عنه دعوا إلى أمر آخر خافوا منه الهلكة فكفوا عنه وهو المباهلة وهو قوله تعالى : { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم } الآية وشأن هذا الجدال أنه شاغل عن ذكر الله وعن الصلاة كالنرد والشطرنج وغيرهما .
وقد نقل عن حماد بن زيد أنه قال : جلس عمرو بن عبيد وشبيب بن شيبة ليلة يتخاصمون إلى طلوع الفجر .
قال : فلما صلوا جعل عمرو يقول : هيه أبا معمر ! هيه أبا معمر ! فإذا رأيتم أحدا شأنه أبدا الجدال في المسائل مع كل أحد من أهل العلم ثم لا يرجع ولا يرعوي فاعلموا أنه زيغ القلب متبع للمتشابه فاحذروه