ومن شواهد ما نحن فيه ما صدر به الامام أبو سليمان الخطابي كتابه معالم السنن حيث قال رأيت أهل العلم في زماننا قد حصلوا حزبين وانقسموا إلى فرقتين أصحاب حديث وأثر وأهل فقه ونظر وكل واحدة منهما لا تتميز عن أختها في الحاجة ولا تستغني عنها في درك ما تنحوه من البغية والإرادة لأن الحديث بمنزلة الأساس الذي هو الأصل والفقه بمنزلة البناء الذي هو له كالفرع وكل بناء لم يوضع على قاعدة وأساس فهو منهار وكل أساس خلا عن بناء وعمارة فهو قفر وخراب .
ووجدت هذين الفريقين على ما بينهم من التداني في المحلين والتقارب في المنزلتين وعموم الحاجة من بعضهم إلى بعض وشمول الفاقة اللازمة لكل منهم إلى صاحبه إخوانا متهاجرين وعلى سبيل الحق بلزوم التناصر والتعاون غير متظاهرين .
فأما هذه الطبقة الذين هم أهل الحديث والأثر فان الأكثرين إنما وكدهم الروايات وجمع الطرق وطلب الغريب والشاذ من الحديث الذي أكثره موضوع أو مقلوب لا يراعون المتون ولا يتفهمون المعاني ولا يستنبطون سرها ولا يستخرجون ركازها وفقهها وربما عابوا الفقهاء وتناولوهم بالطعن وادعوا عليهم مخالفة السنن