وذلك في جميع هذه الصور يدل على أن ما رتب عليه الحكم ( بالفاء ) يكون علة للحكم لكون ( الفاء ) في اللغة ظاهرة في التعقيب .
ولهذا فإنه لو قيل جاء زيد فعمرو فإن ذلك يدل على مجيء عمرو عقيب مجيء زيد من غير مهلة ويلزم من ذلك السببية لأنه لا معنى لكون الوصف سببا إلا ما ثبت الحكم عقيبه وليس ذلك قطعا بل ظاهرا لأن ( الفاء ) في اللغة قد ترد بمعنى الواو في إرادة الجمع المطلق وقد ترد بمعنى ( ثم ) في إرادة التأخير مع المهلة كما سبق تعريفه .
غير أنها ظاهرة في التعقيب بعيدة فيما سواه .
وهذه الرتب متفاوتة فأعلاها ما ورد في كلام الله تعالى ثم ما ورد في كلام رسوله ثم ما ورد في كلام الراوي وسواء كان فقهيا أو لم يكن لكنه إن كان فقيها كان الظن بقوله أظهر وإذا لم يكن فقيها وإن كان في أدنى الرتب غير أنه مغلب على الظن لأنه إذا قال سها رسول الله A فسجد فالظاهر من حاله مع كونه متدينا عالما بكون ( الفاء ) موضوعة للتعقيب أنه لو لم يفهم أن السهو سبب للسجود وإلا لما رتب السجود على السهو بالفاء لما فيه من التلبيس بنقل ما يفهم منه السببية ولا يكون سببا بل ولما كان تعليقه للسجود بالسهو أولى من غيره .
القسم الثاني ما لو حدثت واقعة فرفعت إلى النبي عليه السلام فحكم عقيبها بحكم .
فإنه يدل على كون ما حدث علة لذلك الحكم .
وذلك كما روي أن أعرابيا جاء إلى النبي A فقال له هلكت وأهلكت .
فقال له النبي A ماذا صنعت فقال واقعت أهلي في نهار رمضان عامدا .
فقال له عليه السلام اعتق رقبة .
فإنه يدل على كون الوقاع علة للعتق .
وذلك لأنا نعلم أن الأعرابي إنما سأل النبي A عن واقعته لبيان حكمها شرعا وأن النبي عليه السلام إنما ذكر ذلك الحكم في معرض الجواب له لا أنه ذكره ابتداء منه لما فيه من إخلاء السؤال عن الجواب وتأخير البيان عن وقت الحاجة وكل ذلك وإن كان ممكنا إلا أنه على خلاف الظاهر وإذا