المسألة الأولى في إثبات النسخ على منكريه .
وقد اتفق أهل الشرائع على جواز النسخ عقلا وعلى وقوعه شرعا ولم يخالف في ذلك من المسلمين سوى أبي مسلم الأصفهاني فإنه منع من ذلك شرعا وجوزه عقلا ومن أرباب الشرائع سوى اليهود فإنهم انقسموا ثلاث فرق فذهبت الشمعنية إلى امتناعه عقلا وذهبته العنانية منهم إلى امتناعه سمعا لا عقلا وذهبت العيسوية إلى جوازه عقلا ووقوعه سمعا واعترفوا بنبوة محمد A لكن إلى العرب خاصة لا إلى الأمم كافة .
والدليل على الجواز العقلي العقل والسمع .
أما العقل فهو أن المخالف لا يخلو إما أن يكون ممن يوافق على أن الله تعالى له أن يفعل ما يشاء كما يشاء من غير نظر إلى حكمة وغرض وإما أن يكون ممن يعتبر الحكمة والغرض في أفعاله تعالى فإن كان الأول فلا يمتنع عليه تعالى أن يأمر بالفعل في وقت وينهى عنه في وقت كما أمر بالصيام في نهار رمضان ونهى عنه في يوم العيد وإن كان الثاني فمع بطلانه على ما عرفناه في كتب الكلام فلا يمتنع أن يعلم الله استلزام الأمر بالفعل في وقت معين للمصلحة واستلزام النهي عنه للمصلحة في وقت آخر فإن المصالح مما يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال حتى إن مصلحة بعض الأشخاص في الغنى أو الصحة أو التكليف ومصلحة الآخر في نقيضه فكذلك جاز أن تختلف المصلحة باختلاف الأزمان حتى أن مصلحة بعض أهل الأزمان في المداراة والمساهلة ومصلحة أهل زمان آخر في الشدة والغلظة عليهم إلى غير ذلك من الأحوال