قلنا إن أوجب عليه اختيار المصلحة وإن كان تكليفا بما لا يطاق فهو جائز على ما سبق تقريره .
وإن خيره بين أمرين فلا يمتنع ذلك كما أنه يوجب عليه الحكم بما أوجبه ظنه من الأمارة الظنية وإن كان مخطئا مرتكبا للمفسدة كما تقرر قبل .
وإذا جاز إيجاب فعل ما هو مفسدة مع عدم علم المكلف به جاز التخيير بين المصلحة والمفسدة مع عدم علم المكلف بذلك .
المسألة الحادية عشرة القائلون بجواز الاجتهاد للنبي عليه السلام اختلفوا في جواز الخطإ عليه في اجتهاده .
فذهب بعض أصحابنا إلى المنع من ذلك .
وذهب أكثر أصحابنا والحنابلة وأصحاب الحديث والجبائي وجماعة من المعتزلة إلى جوازه لكن بشرط أن لا يقر عليه وهو المختار ودليله المنقول والمعقول .
أما المنقول فمن جهة الكتاب والسنة .
أما الكتاب فقوله تعالى { عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين } ( التوبة 43 ) وذلك يدل على خطئه في إذنه لهم .
وقوله تعالى في المفاداة في يوم بدر { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } ( الأنفال 67 ) إلى قوله تعالى { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } ( الأنفال 68 ) حتى قال النبي عليه السلام لو نزل من السماء عذاب لما نجا منه إلا عمر لأنه كان قد أشار بقتلهم ونهى عن المفاداة وذلك دليل على خطئه في المفاداة .
وقوله تعالى { إنما أنا بشر مثلكم } ( الكهف 110 ) أثبت المماثلة بينه وبين غيره