واحتج بعضهم بقول الله تعالى { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا لشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بلله وليوم لآخر ومن يتق لله يجعل له مخرجا } قالوا وإنما قال ذلك تعالى في الطلاق والرجعة يعني اشتراط العدالة واشترط تعالى الرضا في الرجل والمرأتين في الديون فقط فكان ذلك في سائر الأحكام قياسا على الطلاق والرجعة .
قال أبو محمد وهذا الاحتجاج من غريب نوادرهم فأول ذلك أن المحتج بهذا إن كان مالكيا فقد نسي نفسه في إباحتهم شهادة الطبيب الفاسق وفي شهادة الصبيان في الدماء والجراحات خاصة وهم غير موصوفين بعدالة ولم يقس على ذلك الصبايا ولا تحريق الثياب .
وإن كان حنفيا فقد نسي نفسه في قبول شهادة الكفار بعضهم على بعض ونقضهم كلهم هذا الأصل في رد شهادة العبيد العدول والأقارب العدول وأما نحن فلم نأخذ قبول شهادة العدول فيما عدا الطلاق والرجعة والديون قياسا على ذلك ونعوذ بالله من هذا وإنما لزم قبول العدول في كل موضع حاشا ما استثناه النص من قبول شهادة الكفار في الوصية في السفر فقط في قول الله تعالى { يأيها لذين آمنوا إن جآءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيببوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } فنهانا الله تعالى عن قبول الفاسق ليس في البالغين العقلاء وإلا فاسق أو عدل فوجب علينا التبين في كل شاهد وكل مخبر حتى نعلم أفاسق هو فلا نعمل بخبره ولا بشهادته إذا أنبأنا بها أو نعلم أهو عدل فنعمل بخبره وشهادته فبطل ظن هذا الجاهل .
وأما قبول عدلين في سائر الأحكام فقد كان يلزم هذا الجاهل إن التزم القياس أن يقيس جميع الشهادات في السرقة والقذف والخمر والقصاص والقتل على الشهادة في الزنى فلا يقبل في شيء مما ذكرنا إلا أربعة شهداء لا أقل لأن الحدود بالحدود أشبه من الحدود بالطلاق والرجعة والديون والزنى حد وكل ما ذكرناه في السرقة والقذف والخمر حد .
وكان يلزمه أيضا أن يقيس على الديون فيقبل في سائر الأشياء رجلا وامرأتين كما جاء النص في الأموال وإلا فلأي معنى وجب أن يقاس على الرجعة والطلاق دون أن يقاس