قال أبو محمد وهذا من أطرف ما شغبوا به من الجرأة على التمويه بكلام الله تعالى ووضعه في غير موضعه فهذا عظيم جدا نعوذ بالله من الخذلان وما فهم أحد قط له عقل أن للقياس في هذه الآية مدخلا أو طريقا أو نسبة بوجه من الوجوه وما هذه الآية إلا نص جلي أمر تعالى ذوي عدل من المؤمنين أن يحكما في الصيد المقتول بما يشبهه من النعم فهذا نص لا قياس وإنما كان يكون قياسا لو قالوا كما أمرنا تعالى إذا قتلنا الصيد المحرم علينا قتله أن نجزيه بمثله من النعم .
فكذلك إذا قتلنا شيئا من النعم حراما علينا لملك غيرنا له فواجب علينا أن نجزيه بمثله من الصيد وأيضا فكما قاسوا ملك الله تعالى الصيود فأوجبوا الجزاء على قاتلها مخطئا وخالفوا القرآن في ذلك قياسا على ملك الناس فواجب عليهم على أصلهم الفاسد أن يقيسوا ملك الناس من النعم ومن الصيد إذا قتله فيلزموه أن يجزيه بمثله إن كان صيدا فمن النعم وإن كان من النعم فمثله من الصيد .
فهذا حقيقة القياس الذي إن قالوه كفروا وإن تركوا القياس وتناقضوا ووفقوا في تركهم له وأيضا فإن كانت هذه الآية متيحة للقياس فينبغي ألا يكون إلا حتى يحكم فيه ذوا عدل منا أو يكون عدل ذلك صياما .
فهكذا هو الحكم في الآية وأما الآية المذكورة فلا نسبة بينها وبين القياس البتة وإنما فيها أن الصيد يكون مثلا للنعم وهذا أمر لا ننكره فالعالم كله متماثل في بعض أوصافه وإنما أنكرنا أن نحكم في الديانة شيء لم يأت فيه ذلك الحكم من الله تعالى بمثل الحكم المنصوص فيما يشبهه فهذا هو الباطل والخطأ والحرام الذي لا يحل وبالله تعالى نتأيد .
واحتج أيضا بعضهم بقول الله تعالى { يا أيها لذين آمنوا لا تقربوا لصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جآء أحد منكم من لغآئط أو لامستم لنسآء فلم تجدوا مآء فتيمموا صعيدا طيبا فمسحوا بوجوهكم وأيديكم إن لله كان عفوا غفورا } وبقوله تعالى { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من لله وكان لله عليما حكيما } قالوا فقستم واجد الثمن للماء والثمن للرقبة وإن لم يكن عنده رقبة ولا ماء على من عنده الرقبة والماء فلم تجيزوا لهما التيمم ولا الصيام .
قال أبو محمد وهذا من ذلك التمويه المعهود ويعيذنا الله تعالى أن نقول بالقياس في شيء من الدين وليس ما ذكروا قياسا ولكنه نص جلي بلا تأويل فيه البتة لأن الله تعالى إنما قال في آية كفارة قتل الخطأ والعود للظهار بعد إيجاب الرقبة