أنه لا تلزم النذارة إلا من بلغه الأمر فما دام النسخ لم يبلغه فلم يلزمه .
وإذا لم يلزمه فلم يؤمر به { لا يكلف لله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما كتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينآ أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينآ إصرا كما حملته على لذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به وعف عنا وغفر لنا ورحمنآ أنت مولانا فنصرنا على لقوم لكافرين } وليس في وسع أحد أن يعلم ما لم يعلم في حين جهله به ولا أن يعرف الشريعة قبل أن تبلغه وقد لزمه الأمر الأولى بيقين فلا يسقط عنه إلا ببلوغ الناسخ إليه بنص القرآن .
وهكذا كان الصحابة الذين بأرض الحبشة والصلاة قد فرضت بمكة إلى بيت المقدس وعرفوا ذلك فصلوا كذلك بلا شك ثم حولت القبلة إلى الكعبة بالمدينة بعد ستة عشر شهرا من الهجرة ولا خلاف بين أحد أنهم لم يلزمهم التحول إلى الكعبة ولا سقط عنهم فرض الصلاة ولا كان لهم أن يصلوا إلى غير القبلة التي صح عندهم الأمر بها ما لم يبلغهم النسخ وقد سمى الله تعالى صلاة من مات قبل أن يبلغهم بالنسخ إيمانا فقال تعالى { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهدآء على لناس ويكون لرسول عليكم شهيدا وما جعلنا لقبلة لتي كنت عليهآ إلا لنعلم من يتبع لرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على لذين هدى لله وما كان لله ليضيع إيمانكم إن لله بلناس لرءوف رحيم } وهكذا فعل أهل قباء صلوا نصف صلاتهم إلى بيت المقدس ولا شك أنهم لم يبتدئوها إلى بيت المقدس إلا والقبلة قد نسخت لكن لما لم يعلموا ذلك لم يلزمهم ما لم يعلموا ولا سقط عنهم ما كان لزمهم إلا بعد بلوغ النسخ إليهم .
وهكذا القول في كل ما صح نسخه ولم يصح عند بعض الناس .
وأما إن قامت عليه الحجة فعاند تقليدا ففاسق وهذا في غاية البيان فيما قلنا والحمد لله رب العالمين .
وأما من بلغه الخبر المنسوخ أو الآية المنسوخة ولم يعرف أنهما منسوخان فأقدم على تركهما بغير علم الناسخ فهو عاص لله تعالى لأنه ترك الفرض الواجب عليه لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق .
فهذا وجهان في النص المنسوخ الذي لم يبلغ المرء نسخه .
ثم وجهان آخران في عكس هذه المسألة وهما نص غير منسوخ من آية أو كلام النبي A ظنه عالم من العلماء منسوخا فترك العمل به وأفتى بذلك عاميا وأخبره أن الحديث أو الآية منسوخان فتركه العامي أو عملا به وهما يظنان ويقدران أنه منسوخ وهذا خلاف ما تقدم لأنهما ههنا تركا العمل بما أوجبه الله تعالى عليهما إلا أن من ترك ذلك مجتهدا يرى أن الذي فعل هو الحق ولم يتبين له غيره