وأما أمور الدنيا ومكايد الحروب ما لم يتقدم نهي عن شيء من ذلك وأباح A تعالى له التصرف فيه كيف شاء فلسنا ننكر أن يدبر عليه السلام كل ذلك على حسب ما يراه صلاحا فإن شاء الله تعالى إقراره عليه أقره وإن شاء إحداث منع له من ذلك في المستأنف منع إلا أن كل ذلك مما تقدم الوحي إليه بإباحته إياه ولا بد .
وأما في التحريم والإيجاب فلا سبيل إلى ذلك البتة وذلك مثل ما أراد النبي A أن يصالح غطفان على ثلث ثمار المدينة فهذا مباح لأن لهم أن يهبوا من أموالهم ما أحبوا ما لم ينهوا على ذلك ولهم أن يمنعوه ما لم يؤمروا بإعطائه وكذلك منازله A في حروبه له أن ينزل من الأرض حيث شاء ما لم ينه عن مكان بعينه أو يؤمر بمكان بعينه وكذلك قوله A في تلقيح ثمار أهل المدينة لأنه مباح للمرء أن يلقح نخله ويذكر تينه ومباح أن يترك فلا يفعل شيئا من ذلك .
وقد أخبرني محمد بن عبد الله الهمداني عن أبيه أنه ترك تينه سنين دون تذكير فاستغنى عن التذكير فلعل النخل كذلك لو توبع عليه ترك التلقيح سنة بعد سنة لاستغنى عن ذلك .
وهذا كله ليس من أمور الدين الواجبة والمحرمة في شيء إنما هي أشياء مباحة من أمور المعاش من شاء فعل ومن شاء ترك وإنما الاجتهاد الممنوع منه ما كان في التحريم والإيجاب فقط بغير نص وقد نص النبي A في حديث التلقيح على قولنا .
وقال A أنتم أعلم بأمور دنياكم .
وقد حدثنا بهذا الحديث عبد الله بن يوسف بن ناهي عن أحمد بن فتح عن عبد الوهاب بن عيسى عن أحمد بن محمد عن أحمد بن علي عن مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمر والناقد وكلاهما عن أسود بن عامر ثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة وثابت وهشام عن أبيه عن عائشة وثابت عن أنس أن رسول الله A مر بقوم يلقحون النخل فقال لو لم تفعلوا لصلح قال فخرج شيصا فمر بهم فقال ما لنخلكم فقالوا قلت كذا وكذا قال أنتم أعلم بأمور دنياكم .
قال أبو محمد فهذا بيان جلي مع صحة سنده في الفرق بين الرأي في أمر الدنيا والدين وأنه A لا يقول الدين إلا من عند الله تعالى وأن سائر ما يقول فيه