الباب التاسع والعشرون في الدليل .
قال أبو محمد ظن قوم بجهلهم أن قولنا بالدليل خروج منا عن النص والإجماع وظن آخرون أن القياس والدليل واحد فأخطؤوا في ظنهم أفحش خطأ .
ونحن إن شاء الله D نبين الدليل الذي نقول به بيانا يرفع الإشكال جملة فنقول وبالله تعالى التوفيق الدليل مأخوذ من النص ومن الإجماع .
فأما الدليل المأخوذ من الإجماع فهو ينقسم أربعة أقسام كلها أنواع من أنواع الإجماع وداخلة تحت الإجماع وغير خارجة عنه وهي استصحاب الحال وأقل ما قيل وإجماعهم على ترك قولة ما وإجماعهم على أن حكم المسلمين سواء وإن اختلفوا في حكم كل واحدة منها وهذه الوجوه قد بيناها كلها في كلامنا في الإجماع فأغنى عن تردادها .
وبالله تعالى التوفيق .
وأما الدليل المأخوذ من النص فهو ينقسم أقساما سبعة كلها واقع تحت النص أحدها مقدمتان تنتج نتيجة ليست منصوصة في إحداهما كقوله A كل مسكر خمر وكل خمر حرام النتيجة كل مسكر حرام فهاتان المقدمتان دليل برهاني على أن كل مسكر حرام .
وثانيها شرط معلق بصفة فحيث وجد فواجب ما علق بذلك الشرط مثل قوله تعالى { ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون } فقد صح بهذا أن من انتهى غفر له .
وثالثها لفظ يفهم منه معنى فيؤدى بلفظ آخر وهذا نوع من تسميه أهل الاهتبال بحدود الكلام المتلائمات مثل قوله تعالى { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدهآ إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم } فقد فهم من هذا فهما ضروريا أنه ليس بسفيه وهذا هو معنى واحد يعبر عنه بألفاظ شتى كقولك الضيغم والأسد والليث والضرغام وعنبسة فهذه كلها أسماء معناها واحد وهو الأسد