الأصل الذي قامت السموات والأرض به قال الله تعالى { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهمآ إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل } فإذا كان الحق هو الأصل فالباطل خروج عنه وشذوذ منه فلما لم يجز أن يكون الحق شذوذا .
وليس إلا حق أو باطل صح أن الشذوذ هو الباطل وهذا تقسيم أوله ضروري وبرهان قاطع كاف ولله الحمد .
ويسأل من قال إن الشذوذ هو مفارقة الواحد للجماعة ما تقول في خلاف الاثنين للجماعة فإن قال هو شذوذ سئل عن خلاف الثلاثة للجماعة ثم يزاد واحدا واحدا هكذا أبدا فلا بد له من أحد أمرين إما أن يجد عددا ما بأنه شذوذ وإن ما زاد عليه ليس شذوذا فيأتي بكلام فاسد لا دليل عليه فيصير شاذا على الحقيقة أو يتمادى حتى يخرج عن المعقول وعن إجماع الأمة فيصير شاذا على الحقيقة أيضا ولا بد له من ذلك وبالله تعالى التوفيق .
فكل من أداه البرهان من النص أو الإجماع المتيقن إلى قول ما ولم يعرف أحد قبله قال بذلك القول ففرض عليه القول بما أدى إليه البرهان ومن خالفه فقد خالف الحق ومن خالف الحق فقد عصى الله تعالى قال تعالى { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } ولم يشترط تعالى في ذلك أن يقول به قائل قبل القائل به بل أنكر تعالى ذلك على من قاله إذ يقول D حاكيا عن الكفار منكرا عليهم أنهم قالوا { ما سمعنا بهذا فى الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق } .
قال أبو محمد ومن خالف هذا فقد أنكر على جميع التابعين وجميع الفقهاء بعدهم لأن المسائل التي تكلم فيها الصحابة Bهم من الاعتقاد أو الفتيا فكلها محصور مضبوط معروف عند أهل النقل من ثقات المحدثين وعلمائهم فكل مسألة لم يرو فيها قول عن صاحب لكن عن تابع فمن بعده فإن ذلك التابع قال في تلك المسألة بقول لم يقله أحد قبله بلا شك وكذلك كل مسألة لم يحفظ فيها قول عن صاحب ولا تابع وتكلم فيها الفقهاء بعدهم فإن ذلك الفقيه قد قال في تلك المسألة بقول لم يقله أحد قبله ومن ثقف هذا الباب فإنه يجد لأبي حنيفة ومالك والشافعي أزيد من عشرة