علمنا الأشياء على ما هي عليه أن كل معدود فهو ثلث وثلثان فإذا كان للأم الثلث فقط وهي والأب وارثان فقط فالثلثان للأب وهذا علم ضروري لا محيد عنه للعقل ووجدنا ذلك منصوصا على المعنى وإن لم ينص على اللفظ .
ومثل إجماع المسلمين على أن الله تعالى حكم بأن دم زيد حرام لإسلامه ثم قال قائل قد حل دمه فقلنا قد تيقنا بالنص وجوب الطاعة للإجماع وقد صح نقل الإجماع على أن دمه حرام فلا يجوز لنا خلاف ذلك إلا بنص منقول بالثقات أو بتواتر أو بإجماع ناقل لنا .
فهذا منصوص على معناه .
ومثل أن يدعي زيد على عمرو بمال فنقول إن الله تعالى نص على إيجاب اليمين على عمرو لأن النص قد جاء بإيجاب اليمين على من ادعي عليه وعمرو مدعى عليه فقد أوجب النص اليمين على عمرو فلا سبيل إلى معرفة شيء من أحكام الديانة أصلا إلا من أحد هذه الوجوه الأربعة وهي كلها راجعة إلى النص والنص معلوم وجوبه ومفهوم معناه بالعقل على التدريج الذي ذكرناه .
وقد ادعى قوم أن من الشرائع ما لا سبيل في القدرة إلى تغييره فأتوا بأمر عظيم وأدى قولهم هذا الفاسد إلى أن ربهم تعالى مضطر إلى الأمر بما أمر من ذلك فمن التزم منهم ما توجبه مقدمته الفاسدة كفر ومن جبن عن التزامه تناقض وقضى بفساد معتقده الذي هو ثابت عليه إلا أنهم استعظموا أن يطلقوا ما يوجبه مذهبهم فحسنوه بعبارة كنوا بها عنه فقالوا لا سبيل في العقل إلى تغييره .
قال علي والعقل لا يوجب على الباري تعالى حكما بل الباري تعالى خالق العقل بعد أن لم يكن ومرتب له وفيه ما قد رتب مما لو شاء أن يخترعه ويرتبه على خلاف ذلك لفعل .
وإنما العقل مفهم عن الله تعالى مراده ومميز للأشياء التي قد رتبها الباري تعالى على ما هي عليه فقط .
فقال هؤلاء إن الكفر والظلم لا يتوهم جواز استباحته .
قال علي ولا دليل على ما ذكروا بل قد كان ممكنا أن يأمرنا تعالى بالكفر به وبجحده وبعبادة الأوثان وبالظلم ولكنه تعالى قد أخبرنا أنه لا يفعل ذلك فعلمنا أن ذلك لا يكون أبدا ليس لأنه ممتنع منه D لو شاءه ولا أنه تعالى عاجز عن ذلك لو أراده ولكن لأنه لا يقول إلا الصدق وقد أخبرنا أن ذلك لا يكون وأنه