إجماع صحيح متيقن لما بعد عن الصدق لأنه لم ينكر ذلك عليهما أحد من الصحابة وليس منهم أحد خفي عليه إقرارهما لهم قبل بلوغ النهي إليهما وبالله تعالى التوفيق .
فإن قيل فهلا قلتم إنه سقط عنهم استقبال بيت المقدس ولم يؤمروا باستقبال الكعبة بقول الله تعالى { ومن حيث خرجت فول وجهك شطر لمسجد لحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا لذين ظلموا منهم فلا تخشوهم وخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون } قلنا لا لما قد ذكرنا من أن الحكم لا يلزم حتى يبلغ وإنما خاطب الله بهذا الأمر من بلغه ومن لم يخلق إذا خلق وبلغه ولا دليل على سقوط ما قد ثبت عليهم من استقبال بيت المقدس إلا ببلوغ الأمر إليهم بتركه .
قال علي ولو كانوا مأمورين باستقبال الكعبة حين نزول الأمر من قبل أن يبلغهم لكان من أقدم منهم فصلى إلى الكعبة عامدا قبل أن يبلغهم الأمر جائز الصلاة وهذا باطل وأما لو أن إنسانا اليوم خفيت عليه دلائل القبلة فاستدل فأداه استدلاله إلى جهة ما وقطع بذلك ثم تعمد الصلاة إلى خلاف تلك الجهة فلما سلم إذا به الى القبلة فإن صلاته باطلة وهو بذلك فاسق لأنه تعمد العمل في صلاته بما ليس عالما أنه أمر به فيها فقصد العمل بما يرى أنه ليس من صلاته فقد قصد إفساد صلاته فبطلت بذلك .
قال أبو محمد وأما من كان بعد رسول الله A فلم يبلغه الناسخ ولا الخالص فإنه أيضا مأمور بما يعتقد من المنسوخ ومن عموم المخصوص لأن الله تعالى لم يكلفه قط خلاف ذلك بل افترض عليه خلافا لذلك طاعة أمره تعالى جملة والمنسوخ من أمره فلا شك فهو لازم لكل من بلغه بعموم الأمر المذكور حتى يبلغه نسخه وبالله تعالى التوفيق .
ومن المحال الممتنع أن يكون الله تعالى يورد على عبده أمرا يأمره به ثم ينهاه عنه ولا يعلمه بنهيه عنه وهو تعالى قد تكفل لنا بالبيان قال D { لا إكراه في لدين قد تبين لرشد من لغي فمن يكفر بلطاغوت ويؤمن بلله فقد ستمسك بلعروة لوثقى لا نفصام لها ولله سميع عليم } فلو ورد أمر الله تعالى ثم نهاه عنه ولم يبلغه نهيه لكان ذلك إضلالا والتباسا ولكان الرشد غير مبين من الغي وحاشا لله من هنا يقينا