وكذلك لا فرق بين قوله تعالى { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات لأخ وبنات لأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من لرضاعة وأمهات نسآئكم وربائبكم للاتي في حجوركم من نسآئكم للاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم لذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين لاختين إلا ما قد سلف إن لله كان غفورا رحيما } وبين نزول خمس رضعات محرمات ناسخة لعشر محرمات وبين قول القائل لا إله إلا الله فلا يجوز أن يفصل شيء من ذلك في الحكم عن بيانه كما لا يحل لأحد أن يأخذ القائل لا إله إلا الله في بعض كلامه دون بعض فيقضي عليه بقوله لا إله بالكفر لكن نضم كلامه كله بعضه إلى بعض فنأخذه بكلامه .
وكذلك إذا نزلت الآية المجملة أتى بعقبها الأحاديث المفسرات فكان ذلك مضمونا بعضه إلى بعض ومستثنى بعضه من بعض ومعطوفا بعضه على بعض فبطل ما راموا أن يموهوا به وصح أنه سؤال فاسد وأن الذين خوطبوا بالآيات المذكورات خوطبوا ببيانها معا وأما نحن فكل إنسان منا فلا يخلو من أحد وجهين إما أن يكون لم يتفقه في الدين أو يكون قد تفقه في الدين ولا سبيل إلى وجه ثالث فالذي لم يتفقه في الدين وليس من الذين خاطبهم الله بقوله تعالى { ولسارق ولسارقة فقطعوا أيديهما جزآء بما كسبا نكالا من لله ولله عزيز حكيم } ولا من الذين خوطبوا بالفتيا والحكم في تحريم المرضعات ولا من المأمورين بجلد الزناة وإنما أمر بذلك كله الفقهاء والحكام العالمون باللغة والفقه بلا خلاف من أحد من المسلمين في ذلك .
وقد بين تعالى ذلك بقوله { وما كان لمؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة منهم طآئفة ليتفقهوا في لدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } فصح بالنص أنه ليس كل أحد مأمورا بالتفقه في غير ما يخصه في نفسه .
فصح بما ذكرنا أن المأمورين بتنفيذ الأحكام والفتيا في الدين الفقهاء الذين قد سمعوا النصوص كلها وعرفوها وعرفوا الإجماع والاختلاف وأن كل من كان بخلاف هذه الصفة فلم يأمر قط بقطع من سرق جبالا من ذهب ولا بأن يفتي في تحريم من أرضعت ألف رضعة ولا بجلد زان حرا أو عبدا وكل متفقه فقبل أن يكمل تعلم النصوص والإجماع فهو غير مأمور ولا مخاطب بالحكم في شيء ولا بالفتيا في شيء لكنه مأمور بالطلب