فصل في التخيير .
قال علي واختلفوا في الأشياء إذا خير الله D بينها وأوجب على المخير أن يقصد أيها شاء فيفعله ككفارة الأيمان وكفارة الحلق في الحج قبل يوم النحر لمرض أو أذى من الرأس وفي العمرة كذلك قبل تمامها وفي جزاء الصيد وما أشبه ذلك فقال قوم هي كلها واجبة فإذا فعل أحدها سقط سائرها .
قال علي وهذا خطأ فاحش لوجهين أحدهما أن أو لا توجب تساوي ما عطف بها واجتماعه وإنما يوجب ذلك الواو والفاء وثم هذا ما لا يجهله من له أدنى بصر باللغة العربية والثاني أنها لو وجبت كلها لما سقطت بفعل بعضها وما لزم فرضا فإنما يسقط بأن يفعل لا بأن يفعل غيره وهذا شيء يعلم بالضرورة لأن ما أوجب الله تعالى عليك عمله فلم يرد منك أن تقيم مقامه غيره إلا بنص وارد في ذلك وإلا فأنت عاص إن لم تفعل الذي أمرت به فلو أوجب تعالى عليه عتق رقبة لم يخرج منها بكسوة وهذا الذي لا يعقل سواه .
وذهب قوم إلى أنه تعالى إنما أوجب في ذلك شيئا واحدا مما خير فيه تعالى لا بعينه ولكن أيها شاء المخير ونحن لا ننكر هذا لأن عقولنا ليست عيارا على ربنا D ولا في العقل ما يمنع من أن يريد الله تعالى إيجاب ما شاء إلى الموجب عليه فإذا فعل المخير المكفر أي الكفارات التي خوطب بها شاء فقد أدى فرضه وهو الذي سبق في علم الله D أنه به يسقط عنه الإثم .
والتخيير ينقسم قسمين أحدهما الذي ذكرنا وهو أن يلزم المرء أحد وجهين أو أحد وجوه لا بد من أن يأتي ببعضها أيها شاء فهذا فرضه الذي يأتي به مما خير فيه .
والقسم الثاني أن يقال للمرء إن شئت أن تفعل كذا وإن شئت ألا تفعله أصلا وهذا النوع لا يجوز أن يكون فرضا أصلا ولا يكون إلا تطوعا لأن كل شيء أبيح للمرء تركه جملة أو فعله فهو تطوع بلا خلاف من أحد وهذا لازم لمن قال إن المرء مخير في السفر بين إتمام الصلاة أو قصرها لأن من قول هذا القائل أن الركعتين