فصل في موافقة معنى الأمر لمعنى النهي .
قال علي النهي مطابق لمعنى الأمر لأن النهي أمر بالترك وترك الشيء ضد فعله وليس عن الشيء أمرا بخلافه الأخص ولا بضده الأخص وتفسير الضد الأخص أنه المضاد في النوع وتفسير الضد الأعم أنه المضاد في الجنس فإذا قلت للإنسان لا تتحرك فقد ألزمته السكون ضرورة لأنه لا واسطة بين الضد الأعم وبين ضده فمن خرج من أحدهما دخل في الآخر وهذا الذي سميناه في كتاب التقريب المنافي وأما من نهيته عن نوع من أنواع الحركة فليس ذلك أمرا بضده مثال ذلك لو قلت لآخر لا تقم فإنك لم تأمره بالجلوس ولا بد لأن بين الجلوس والقيام وسائط من الاتكاء والركوع والسجود والانحناء والاضطجاع فأيها فعل فليس عاصيا لك في نهيك إياه عن القيام وكذلك لو قيل لإنسان لا تلبس السواد فليس في ذلك إيجاب لباسه البياض ولا بد بل إن لبس الحمرة والصفرة أو الخضرة لم يكن بذلك عاصيا بل مؤتمرا في تركه السواد وبالله تعالى التوفيق .
وأما الأمر فهو نهي عن فعل كل ما خالف العمل المأمور وعن كل ضد له خاص أو عام فإنك إذا أمرته بالقيام فقد نهيته عن القعود والاضطجاع والاتكاء والانحناء والسجود وعن كل هيئة حاشا القيام وإنما كان هكذا لأن ترك أفعال كثيرة مختلفة في وقت واحد واجب موجود ضرورة لأن من قام فقد ترك كل فعل خالف القيام كما أخبرنا في حال قيامه .
وأما الإتيان بأفعال كثيرة في وقت واحد وهي مختلفة متنافية ومتضادة فمحال لا سبيل إليه ألا ترى من سافر فإنما يمشي إلى جهة واحدة وهو تارك لكل جهة غير التي توجه نحوها ولا يمكنه أن يتوجه إلى جهتين في وقت واحد بفعله نفسه .
وتخالف أيضا بنية النهي بنية الأمر في وجه آخر وهو أن ما ورد نهيا بلفظ أو فهو نهي عن الجميع مثل قوله تعالى { فصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا } ومثل قولك