فصل في الأوامر أعلى الفور هي أم على التراخي .
قال القائلون إن الأوامر على التراخي وقال آخرون فرض الأوامر البدار إلا ما أباح التراخي فيها نص آخر أو إجماع .
قال علي وهذا هو الذي لا يجوز غيره لقول الله تعالى { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها لسماوات ولأرض أعدت للمتقين } وقال تعالى { ولكل وجهة هو موليها فستبقوا لخيرات أين ما تكونوا يأت بكم لله جميعا إن لله على كل شيء قدير } وقد قدمنا أن أوامر الله تعالى على الوجوب فإذا أمرنا تعالى بالاستباق إلى الخيرات والمسارعة إلى ما يوجب المغفرة فقد ثبت وجوب البدار إلى ما أمرنا به ساعة ورود الأمر دون تأخر ولا تردد وقد شغب بعض المخالفين فقال ليس في قوله تعالى { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها لسماوات ولأرض أعدت للمتقين } حجة في أن الأوامر واجب البدار إليها لأنه تعالى أمرنا بالمسارعة إلى المغفرة لا إلى الفعل .
قال علي وهذا مما يسر فيه هؤلاء القوم لعكس الحقائق وقد أيقنا بقوله تعالى { ومن جآء بلسيئة فكبت وجوههم في لنار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون } أن أحدا لا يؤتى المغفرة إلا بعمل صالح يقتضي له وعد الله تعالى بالرحمة والمغفرة وعلمنا ذلك يقينا أن مراد الله تعالى بقوله { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها لسماوات ولأرض أعدت للمتقين } إنما هو سارعوا إلى الأعمال الموجبة للمغفرة من ربكم إذ لا سبيل إلى المسارعة إلى المغفرة إلا بذلك وهذا من الحذف الذي دلت عليه الحال وإنما قلنا هذا لوجهين أحدهما النص الجلي الوارد في أنه لا يجزي أحد بمغفرة ولا غيرها إلا بحسب عمله .
والثاني النص الوارد بأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها وليس في وسع أحد المسارعة إلى المغفرة المجردة دون توسط عمل صالح فهذان الظاهران نصا أن في تلك الآية حذفا دلت عليه الحال فما كان مرتبطا بوقت واحد كصيام رمضان فقد جاء النص بإيجاب تأخيره إلى وقته