الباب الرابع في كيفية ظهور اللغات .
أعن توقيف أم عن اصطلاح قال أبو محمد أكثر الناس في هذا والصحيح من ذلك أصل الكلام توقيف من الله D بحجة سمع وبرهان ضروري .
فأما السمع فقول الله D { وعلم آدم الأسمآء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسمآء هؤلاء إن كنتم صادقين } .
وأما الضروري بالبرهان فهو أن الكلام لو كان اصطلاحا لما جاز أن يصطلح عليه إلا قوم قد كملت أذهانهم وتدربت عقولهم وتمت علومهم ووقفوا على الأشياء كلها الموجودة في العالم وعرفوا حدودها واتفاقها واختلافها وطبائعها وبالضرورة نعلم أن بين أول وجود الإنسان وبين بلوغه هذه الصفة سنين كثيرة جدا يقتضي في ذلك تربية وحياطة وكفالة من غيره .
إذ المرء لا يقوم بنفسه إلا بعد سنين من ولادته .
ولا سبيل إلى تعايش الوالدين والمتكفلين والحضان إلا بكلام يتفاهمون به مراداتهم فيما لا بد لهم منه فيما يقوم معايشهم من حرث أو ماشية أو غراس ومن معاناة ما يطرد به الحر والبرد والسباع ويعاني به الأمراض ولا بد لكل هذا من أسماء يتعارفون بها ما يعانونه من ذلك .
وكل إنسان فقد كان في حالة الصغر التي ذكرنا من امتناع الفهم والاحتياج إلى كافل والاصطلاح يقتضي وقتا لم يكن موجودا قبله لأنه عمل المصطلحين وكل عمل لا بد من أن يكون له أو فكيف كانت حال المصطلحين على وضع اللغة قبل اصطلاحهم عليه فهذا من الممتنع المحال ضرورة .
قال علي وهذا دليل برهاني ضروري من أدلة حدوث النوع الإنساني ومن أدلة وجود الواحد الخالق الأول تبارك وتعالى ومن أدلة وجود النبوة والرسالة لأنه لا سبيل إلى بقاء أحد من الناس ووجوده دون كلام والكلام حروف مؤلفة والتأليف فعل فاعل ضرورة لا بد له من ذلك وكل فعل فعله فله زمان ابتدىء فيه لأن الفعل حركة تعدها المدد فصح أن لهذا التأليف أولا والإنسان لا يوجد دونه .
وما لم يوجد قبل ما له أول فله أول ضرورة فصح أن للمحدث محدثا بخلافة وصح أن ما علم من ذلك مما