والذي ذكرنا هو نص الحديث لا ما ظنه من يتعسف الكلام ويحرفه عن مواضعه ويطلب فيه ما ليس فيه وليس هذا الحديث من باب إثبات القدر في شيء وإثبات القدر إنما يصح من أحاديث أخر وآيات أخر .
قال أبو محمد وقد تحاج المهاجرون والأنصار وسائر الصحابة رضوان الله عليهم وحاج ابن عباس الخوارج بأمر علي رضى الله عنه وما أنكر قط أحد من الصحابة الجدال في طلب الحق .
فلا معنى لقول لمن جاء بعدهم .
وبالجملة فلا أضعف ممن يروم إبطال الجدال بالجدال .
ويريد هدم جميع الاحتجاج بالاحتجاج ويتكلف فساد المناظرة بالمناظرة لأنه مقر على نفسه أنه يأتي بالباطل لأن حجته هي بعض الحجج التي يريد إبطال جملتها .
وهذه طريق لا يركبها إلا جاهل ضعيف أو معاند سخيف .
والجدال الذي ندعو إليه هو طلب الحق ونصره .
وإزهاق الباطل وتبينه .
فمن ذم طلب الحق وأنكر هدم الباطل فقد ألحد .
وهو من أهل الباطل حقا .
والخصام بالباطل هو اللدد الذي قال فيه عليه السلام أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم أو كما قال A .
فإذا قد بطلت كل طريق ادعاها خصومنا في الوصول إلى الحقائق من الإلهام والتقليد وثبت أن الخبر لا يعلم صحته بنفسه ولا يتميز حقه من كذبه وواجبه من غير واجبه إلا بدليل من غيره فقد صح أن المرجوع إليه حجج العقول وموجباتها وصح أن العقل إنما هو مميز بين صفات الأشياء الموجودات وموقف للمستدل به على حقائق كيفيات الأمور الكائنات وتمييز المحال منها .
وأما من ادعى أن العقل يحلل أو يحرم أو أن العقل يوجد عللا موجبة لكون ما أظهر الله الخالق تعالى في هذا العالم من جميع أفاعيله الموجود فيه من الشرائع وغير الشرائع فهو بمنزلة من أبطل موجب العقل جملة .
وهما طرفان أحدهما أفرط فخرج عن حكم العقل والثاني قصر فخرج عن حكم العقل ومن ادعى في العقل ما ليس فيه كمن أخرج منه ما فيه ولا فرق .
ولا نعلم فرقة أبعد من طريق العقل من هاتين الفرقتين معا إحداهما التي تبطل حجج العقل جملة .
والثانية التي تستدرك بعقولها على خالقها