وقال تعالى { ما كان لأهل لمدينة ومن حولهم من لأعراب أن يتخلفوا عن رسول لله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل لله ولا يطأون موطئا يغيظ لكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن لله لا يضيع أجر لمحسنين } .
ولا غيظ أغيظ على الكفار والمبطلين من هتك أقوالهم بالحجة الصادعة وقد تهزم العساكر الكبار والحجة الصحيحة لا تغلب أبدا فهي أدعى إلى الحق وأنصر للدين من السلاح الشاكي والأعداد الجمة وأفاضل الصحابة الذين لا نظير لهم إنما أسلموا بقيام البراهين على صحة نبوة محمد A عندهم فكانوا أفضل ممن أسلم بالغلبة بلا خلاف من أحد من المسلمين .
وأول ما أمر الله D نبيه محمدا A أن يدعو له الناس بالحجة البالغة بلا قتال فلما قامت الحجة وعاندوا الحق أطلق الله تعالى السيف حينئذ وقال تعالى { قل فلله لحجة لبالغة فلو شآء لهداكم أجمعين } .
وقال تعالى { بل نقذف بلحق على لباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم لويل مما تصفون } .
ولا شك في أن هذا إنما هو بالحجة لأن السيف مرة لنا ومرة علينا وليس كذلك البرهان بل هو لنا أبدا ودامغ لقول مخالفينا ومزهق له أبدا .
ورب قوة باليد قد دمغت بالباطل حقا كثيرا فأزهقته منها يوم الحرة ويوم قتل عثمان Bه ويوم قتل الحسين وابن الزبير Bهم ولعن قتلتهم وقد قتل أنبياء كثير وما غلبت حجتهم قط .
قال أبو محمد وقد علمنا D الحجة على الدهرية في قوله تعالى { لله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض لأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار } .
وقوله تعالى { ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا } وعلمنا الحجة على الثنوية بقوله تعالى { لو كان فيهمآ آلهة إلا لله لفسدتا فسبحان لله رب لعرش عما يصفون } وعلى النصارى وعلى جميع الملل وقد بينا ذلك في كتابنا المرسوم بكتاب الفصل ورأينا فيه عظيم ما أفادنا الله تعالى في ذلك من الحكمة والعلم بالمحاجة وإظهار البرهان بغاية الإيجاز والاختصار