فإذ ذلك كذلك فبالضروري ندري أنه لا سبيل البتة إلى ضياع شيء قاله رسول الله A في الدين ولا سبيل البتة إلى أن يختلط به باطل موضوع اختلاطا لا يتميز عن أحد من الناس بيقين إذ لو جاز ذلك لكان الذكر غير محفوظ ولكان قول الله تعالى { إنا نحن نزلنا لذكر وإنا له لحافظون } كذبا ووعدا مخلفا وهذا لا يقوله مسلم .
فإن قال قائل إنما عنى تعالى بذلك القرآن وحده فهو الذي ضمن تعالى حفظه لسائر الوحي الذي ليس قرآنا .
قلنا له وبالله تعالى التوفيق هذه دعوى كاذبة مجردة من البرهان وتخصيص للذكر بلا دليل وما كان هكذا فهو باطل لقوله تعالى { وقالوا لن يدخل لجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } فصح أن لا برهان له على دعواه فليس بصادق فيها والذكر اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه A من قرآن أو من سنة وحي يبين بها القرآن وأيضا فإن الله تعالى يقول { بلبينات ولزبر وأنزلنا إليك لذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون } فصح أنه عليه السلام مأمور ببيان القرآن للناس .
وفي القرآن مجمل كثير كالصلاة والزكاة والحج وغير ذلك مما لا نعلم ما ألزمنا الله تعالى فيه بلفظه لكن بيان رسول الله A فإذا كان بيانه عليه السلام لذلك المجمل غير محفوظ ولا مضمون سلامته مما ليس منه فقد بطل الانتفاع بنص القرآن فبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا فيه فإذا لم ندر صحيح مراد الله تعالى منها فما أخطأ فيه المخطىء أو تعمد فيه الكذب الكاذب ومعاذ الله من هذا وأيضا نقول لمن قال إن خبر الواحد العدل عن مثله مبلغا إلى النبي A لا يوجب العلم وإنما يجوز فيه الكذب والوهم وأنه غير مضمون الحفظ أخبرونا هل يمكن عندكم أن تكون شريعة فرض أو تحريم أتى بها رسول الله A ومات وهي باقية لازمة للمسلمين غير منسوخة فجهلت حتى لا يعملها علم يقين أحد من أهل الإسلام في العالم أبدا وهل يمكن عندكم أن يكون حكم موضوع بالكذب أو بخطأ بالوهم قد جاز ومضى واختلط بأحكام الشريعة اختلاطا لا يجوز أن يميزه أحد من أهل الإسلام في العالم أبدا أم لا يمكن عندكم شيء من هذين الوجهين