المسألة السادسة : لا خلاف في جواز الاستثناء من الجنس .
كقام القوم إلا زيدا وهو المتصل ولا تخصيص إلا به وأما المنقطع فلا يخصص به نحو جاءني القوم إلا جارا فالمتصل ما كان اللفظ الأول منه يتناول الثاني وفي معنى هذا ما قيل إن المتصل ما كان الثاني جزءا من الأول والمنقطع ما لا يكون الثاني جزءا من الأول قال ابن السراج ولا بد في المنقطع من أن يكون الكلام الذي قبل إلا قد دل على ما يستثني منه قال ابن مالك لا بد فيه من تقدير الدخول في الأول كقولك قام القوم إلا جارا لما ذكر القوم تبادر الذهن إلى أتباعهم المألوفة فذكر الجار في الاستثناء لذلك هو فمستثنى تقديرا قال أبو بكر الصيرفي يجوز الاستثناء من غير الجنس ولكن يشترط أن يتوهم دخوله في المستثنى منه بوجه ما وإلا لم يجز كقوله : .
( وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس ) .
فاليعافير قد تؤانس فكأنه قال ليس بها من يؤانس به إلا هذا النوع وقد اختلف في الاستثناء المنقطع هل وقع في اللغة أم لا فقال الزركشي من أهل اللغة من أنكره وأوله تأويلا رده به إلى الجنس وحينئذ فلا خلاف في المعنى وقال العضد في شرحه لمختصر المنتهى لا نعرف خلافا في صحته لغة واختلفوا أيضا هل وقع في القرآن أم لا فأنكر بعضهم وقوعه فيه وقال ابن عطية لا ينكر وقوعه في القرآن إلا أعجمي واختلفوا أيضا هل هو حقيقة أم مجاز على مذاهب .
المذهب الأول : أنه حقيقة واختاره القاضي أبو بكر الباقلاني ونقله ابن الخباز عن ابن جني قال الإمام الرازي وهو ظاهر كلام النحويين وعلى هذا فإطلاق لفظ الاستثناء على المستثنى المنقطع هو بالاشتراك اللفظي .
المذهب الثاني : أنه مجاز وبه قال الجمهور قالوا لأنه ليس فيه معنى الاستثناء وليس في اللغة ما يدل على تسميته بذلك .
المذهب الثالث : أنه لا يسمى استثناء لا حقيقة ولا مجازا حكاه القاضي في التقريب و الماوردي وقال الخلاف لفظي قال الزركشي بل هو معنوي فإن من جعله حقيقة جوز التخصيص به إلا فلا ثم بعد الاختلاف في كونه حقيقة أو مجازا اختلفوا في حده ولا يتعلق بذلك كبير فائدة فقد عرفت أنه لا يخصص به وبحثنا إنما هو في التخصيص ولا يخصص إلا بالمتصل فلنقتصر على الكلام المتعلق به