المسألة الثانية : في الفرق بين النسخ والتخصيص .
إعلم أنه لما كان التخصيص شديد الشبه بالنسخ لاشتراكهما في اختصاص الحكم بعض ما يتناوله اللفظ احتاج أئمة الأصول إلى بيان الفرق بينهما من وجوه : .
الأول : أن التخصيص ترك بعض الأعيان والنسخ ترك الأعيان كذا قال الأستاذ الاسفرائني .
الثاني : أن التخصيص يتناول الأزمان والأعيان والأحوال بخلاف النسخ فإنه لا يتناول إلا الأزمان قال الغزالي وهذا ليس بصحيح إن الأعيان والأزمان ليسا من أفعال المكلفين والنسخ يرد على الفعل في بعض الأزمان والتخصيص يرد على الفعل في بعض الأحوال انتهى وهذا الذي ذكره هو فرق مستقل فينبغي أن يكون هو الوجه الثالث .
الوجه الرابع : أن التخصيص لا يكون إلا لبعض الأفراد بخلاف النسخ فإنه يكون لكل الأفراد ذكره البيضاوي .
الوجه الخامس : أن النسخ تخصيص الحكم بزمان معين بطريق خاص بخلاف التخصيص قاله أيضا الأستاذ واختاره البيضاوي واعترض عليه إمام الحرمين .
الوجه السادس : أن التخصيص تقليل والنسخ تبديل حكاه القاضي أبو الطيب عن بعض أصحاب الشافعي واعترض بأنه قليل الفائدة .
الوجه السابع : أن النسخ يتطرق إلى كل حكم سواء كان ثابتا في حق شخص واحد أو أشخاص كثيرة والتخصيص لا يتطرق إلا إلى الأول ومنهم من عبر عن هذا بعبارة أخرى فقال التخصيص لا يدخل في الأمر بمأمور واحد والنسخ يدخل فيه .
الوجه الثامن : أن التخصيص يبقى دلالة اللفظ على ما بقي تحته حقيقة كان أو مجازا على الخلاف السابق والنسخ يبطل دلالة حقيقة المنسوخ في مستقبل الزمان بالكلية .
الوجه التاسع : أنه يجوز تأخير النسخ عن وقت العمل بالمنسوخ ولا يجوز تأخير التخصيص عن وقت العمل بالمخصوص .
الوجه العاشر : أنه يجوز نسخ شريعة بشريعة أخرى ولا يجوز التخصيص قال القرافي وهذا الإطلاق وقع في كتب العلماء كثيرا أو المراد أن الشريعة المتأخرة قد تنسخ بعض أحكام الشريعة المتقدمة أما كلها فلا لأن قواعد العقائد لم تنسخ .
الوجه الحادي عشر : أن النسخ رفع الحكم بعد ثبوته بخلاف التخصيص فإنه بيان المراد باللفظ العام ذكره القفال الشاشي والعبادي في زياداته .
الوجه الثاني عشر : أن التخصيص بيان ما أريد بالعموم والنسخ بيان ما لم يرد بالمنسوخ ذكره الماوردي .
الوجه الثالث عشر : أن التخصيص يجوز أن يكون مقترنا بالعام أو متقدما عليه أو متأخرا عنه ولا يجوز أن يكون الناسخ متقدما على المنسوخ ولا مقترنا به بل يجب أن يتأخر عنه .
الوجه الرابع عشر : أن النسخ لا يكون إلا بقول وخطاب والتخصيص قد يكون بأدلة العقل والقرائن وسائر أدلة السمع .
الوجه الخامس عشر : أن التخيصص يجوز أن يكون بالإجماع والنسخ لا يجوز أن يكون بالإجماع .
الوجه السادس عشر : أن التخصيص يجوز أن يكون في الأخبار والأحكام والنسخ يختص بأحكام الشرع .
الوجه السابع عشر : أن التخصيص على الفور والنسخ على التراخي ذكره الماوردي قال الزركشي وفيه نظر .
الوجه الثامن عشر : أن تخصيص المقطوع بالمظنون واقع ونسخه به غير واقع وهذا فيه ما سيأتي من الخلاف .
الوجه التاسع عشر : أن التخصيص لا يدخل في غير العام بخلاف النسخ فإنه يرفع حكم العام والخاص .
الوجه الموفى عشرين : أن التخصيص يؤذن بأن المراد بالعموم عند الخطاب ما عداه والنسخ يحقق أن كل ما يتناوله اللفظ مراد في الحال وإن كان غير مراد فيما بعده هذا جملة ما ذكروه من الفروق وغير خاف عليك أن بعضها غير مسلم وبعضها يمكن دخوله في البعض الآخر منها