المسألة الثامنة عشرة : اختلفوا في المقتضي هل هو عام أم لا ؟ .
ولا بد من تحرير تصويره قبل نصب الخلاف فيه فنقول المقتضي بكسر الضاد هو اللفظ الطالب للإضمار بمعنى أن اللفظ لا يستقيم إلا بإضمار شيء وهناك مضمرات متعددة فهل يقدر جميعها أو يكتفي بواحد منها وذلك التقدير هو المقتضى بفتح الضاد وقد ذكروا لذلك أمثلة مثل قوله تعالى : { الحج أشهر معلومات } ومثل قوله صضص [ رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ] فإن هذا الكلام لا يستقيم بلا تقدير لوقوعهما من الأمة فقدروا في ذلك تقديرات مختلفة كالعقوبة والحساب والضمان ونحو ذلك ونحو قوله صضص [ إنما الأعمال بالنيات ] وأمثال ذلك كثيرة فذهب بعض أهل العلم إلى أنه يحمل على العموم في كل ما يحتمله لأنه أعم فائدة وذهب بعضهم إلى أنه يحمل على الحكم المختلف فيه لأن ما سواه معلوم بالإجماع قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وهذا كله خطأ لأن الحمل على الجميع لا يجوز وليس هناك لفظ يقتضي العموم ولا يحمل على موضع الخلاف لأنه ترجيح بلا مرجع انتهى وذهب الجمهور إلى أنه لا عموم له بل يقدر منها ما دل الدليل على إرادة فإن لم يدل دليل على إرادته واحد منها بعينه كان مجملا بينها وبتقدير الواحد منها الذي قام الدليل على أنه المراد يحصل المقصود وتندفع الحاجة فكان ذكر ما عداه مستغنى عنه وأيضا قد تقرر أنه يجب التوقف فيما تقتضيه الضرورة على قدر الحاجة وهذا هو الحق وقد اختاره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي والغزالي وابن السمعاني وفخر الدين الرازي والآمدي وابن الحاجب قال الرازي في المحصول مستدلا للقائلين بعموم المقتضى بأن إضمار أحد الحكمين ليس بأولى من إضمار الآخر فإما أن لا يضمر حكم أصلا وهو غير جائز لأنه تعطيل لدلالة اللفظ أو يضمر الكل وهو المطلوب وهكذا استدل لهم ولم يجب عن ذلك وأجاب الآمدي عنه بأن قولهم ليس إضمار البعض أولى من البعض إنما يلزم أن لو قلنا بإضمار حكم معين وليس كذلك بل إضمار حكم ما والتعيين إلى الشارح ثم أورد عليه بأنه يلزم الإجمال وأجاب بأن إضمار الكل يلزم منه تكثير مخالفة الأصلي وكل منهما يعني الإجمال وإضمار الكل خلاف الأصل قال ابن برهان وإذا قلنا ليس بمجمل فقيل يصرف إطلاقه في كل عين إلى المقصود واللائق به وقيل يضمر الموضع المختلف فيه لأن المجمع عليه مستغن عن الدليل حكى ذلك الشيخ أبو إسحاق الشيرازي قال الأصفهاني في شرح المحصول أن قلنا المقتضى له عموم أضمر الكل وإن قلنا لا عموم له فهل يضمر ما يفهم من اللفظ بعرف الاستعمال قبل الشرع أو يضمر حكم من غير تعيين وتعيينه إلى المجتهد والأول اختيار الغزالي والثاني اختيار الآمدي والثالث التوقف انتهى وهذا الخلاف في هذه المسألة إنما هو فيما إذا لم يفهم بدليل يدل على تعيين أحد الأمور الصالحة للتقدير أما إذا قام الدليل على ذلك فلا خلاف في أنه يتعين للتقدير ما قام الدليل على تقديره كقوله سبحانه { حرمت عليكم الميتة } و { حرمت عليكم أمهاتكم } فإنه قد قام الدليل على أن المراد في الآية الأولى تحريم الأكل وفي الثانية الوطء