المسألة التاسعة : الفعل المثبت إذا كان له جهات .
فليس بعام في أقسامه لأنه يقع على صفة واحدة فإن عرف تعين وإلا كان مجملا يتوقف فيه مثل قول الراوي صلى بعد غيبوبة الشفق فلا يحمل على الأحمر والأبيض وكذلك صلى في الكعبة فلا يعم الفرض والنفل هكذا قال القاضي والقفال الشاشي والأستاذ أبو منصور والشيخ أبو حامد الإسفرائني والشيخ أبو إسحاق الشيرازي وسليم الرازي وابن السمعاني وإمام الحرمين الجويني وابن القشيري والإمام فخر الدين الرازي واستدلوا على ذلك بأنه إخبار عن فعل ومعلوم أن الفاعل لم يفعل كل ما اشتمل عليه تسمية ذلك الفعل مما لا يمكن استيعاب فعله فلا معنى للعموم في ذلك قال الغزالي وكما لا عموم له بالنسبة إلى أحوال الفعل فلا عموم له بالنسبة إلى الأشخاص بل يكون خاصا في حقه صضص إلا أن يدل دليل من خارج لقوله صضص [ صلوا كما رأيتموني أصلي ] وهذا غير مسلم فإن دليل التأسي به صضص كقوله تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } وقوله { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني } ونحو ذلك يدل على أن ما فعله صضص فسائر أمته مثله إلا أن يدل دليل على أنه خاص به وأطلق ابن الحاجب أن الفعل المثبت ليس بعام في أقسامه ثم اختار في نحو قوله نهى عن بيع الغرر وقضى بالشفعة للجار أنه يعم الغرر والجار مطلقا وقد تقدمه إلى ذلك شيخه ابن الأنباري والآمدي وهو الحق لأن مثل هذا ليس بحكاية للفعل الذي فعله بل حكاية لصدور النهي منه عن بيع الغرر والحكم منه بثبوت الشفعة للجار لأن عبارة الصحابي يجب أن تكون مطابقة للمقول لمعرفته باللغة وعدالته ووجوب مطابقة الرواية لمسموع وبهذا تعرف ضعف ما قاله في المحصول من أن قول الصحابي ينهى عن بيع الغرر والحكم منه ثبوت الشفعة لا يفيد العموم لأن الحجة في المحكي لا في الحكاية والذي رآه الصحابي حتى روى النهي يحتمل أن يكون خاصا بصورة واحدة وان يكون عاما ومع الاحتمال لا يجوز القطع بالعموم قال وأيضا قول الصحابي قضى رسول الله صضص بالشاهد واليمين لا يفيد العموم وكذا قول الصحابي سمعت رسول الله صضص يقول [ قضيت بالشفعة ] لاحتمال كونه حكاية عن قضاء لجار معروف ويكون الألف واللام للتعريف وقوله قضيت حكاية عن فعل معين ماض فأما قول النبي صضص قضيت بالشفعة وقول الراوي أنه قضى بالشفعة للجار فالاحتمال فيهما قائم ولكن جانب العموم راجح في الصورتين كليهما أما قوله نهى عن بيع الغرر وقضى بالشاهد واليمين فرجحان عمومه وضعف دعوى احتمال كونه خاصا في غاية الوضوح لما قدمنا نقل الآمدي عن الاكثرين مثل ما ذكره صاحب المحصول وهو خلاف الصواب وإن قال به الأكثرون لأن الحجة في الحكاية لثقة الحاكي ومعرفته وحكى عن بعض أهل الأصول التفصيل بين أن يقترن الفعل بحرف أن فيكون للعموم كقوله قضى أن الخراج بالضمان وبين أن لا يقترن فيكون خاصا نحو قضى بالشفعة للجار وقد حكى هذا القول القاضي في التقريب والأستاذ أبو منصور والشيخ أبو إسحاق والقاضي عبد الوهاب وصححه وحكاه عن أبي بكر القفال وجعل بعض المتأخرين النزاع لفظيا من جهة أن المانع للعموم ينفي عموم الصيغة المذكورة نحو أمر وقضى والمثبت للعموم فيها هو باعتبار دليل خارجي انتهى وأما نحو قول الصحابي كان النبي صضص يفعل كذا فلا يجري فيه الخلاف المتقدم لأن لفظ كان هو الذي دل على التكرار لا لفظ الفعل الذي بعدها نحو كان يجمع وإنما الخلاف في قول الراوي ونحوه وهذا إذا دلت قرينة على عدم الخصوص كوقوعه بعد إجمال أو إطلاق أو عموم فيفهم أنه بيان فنتبعه