البحث الثالث : اختلف القائلون بحجية الإجماع هل هو حجة قطعية أو ظنية ؟ .
فذهب جماعة منهم إلى أنه حجة قطعية وبه قال الصيرفي وابن برهان وجزم به من الحنفية الدبوسي وشمس الأئمة وقال الأصفهاني أن هذا القول هو المشهور وأنه يقدم الإجماع على الأدلة كلها ولا يعارضه دليل أصلا ونسبه إلى الأكثرين قال بحيث يكفر مخالفه أو يضلل يبدع وقال جماعة منهم الرازي والآمدي أنه لا يفيد إلا الظن وقال جماعة بالتفصيل بين ما اتفق عليه المعتبرون فيكون حجة قطعية وبين ما اختلفوا فيه كالسكوتي وما ندر مخالفه فيكون حجة ظنية وقال البزدوي وجماعة من الحنفية الإجماع مراتب فإجماع الصحابة مثل الكتاب والخبر المتواتر وإجماع من بعدهم بمنزلة المشهور من الأحاديث والإجماع الذي سبق فيه الخلاف في العصر السابق بمنزلة خبر الواحد واختار بعضهم في الكل أنه ما يوجب العمل لا العلم فهذه مذاهب أربعة ويتفرع عليها الخلاف في كونه يثبت بأخبار الآحاد والظواهر أم لا ؟ فذهب الجمهور إلى أنه لا يثبت بهما قال القاضي في التقريب وهو الصحيح وذهب جماعة إلى ثبوته بهما في العمل خاصة ولا ينسخ به قاطع كالحال في أخبار الآحاد وقال دل الدليل على قبولها في العمليات وأجاب الجمهور عن هذا بأن أخبار الآحاد قد دل الدليل على قبولها ولم يثبت مثل ذلك في الإجماع فإن ألحقناه بها كان إلحاقا بطريق القياس وصحح هذا القول عبد الجبار والغزالي قال الرازي في المحصول الإجماع المروي بطريق الآحاد حجة خلافا لأكثر الناس لأن ظن وجوب العمل به حاصل فوجب العمل به دفعا للضرر المظنون ولأن الإجماع نوع من الحجة فيجوز التمسك بمظنونه كما يجوز بمعلومه قياسا على السنة ولأنا قد بينا أن أصل الإجماع فائدة ظنية فكيف القول في تفاصيله ؟ انتهى قال الآمدي والمسألة دائر على اشتراط كون دليل الأصل مقطوعا به وعلى عدم اشتراطه فمن شرط القطع منع أن يكون خبر الواحد مفيدا في نقل الإجماع ومن لم يشترط لم يمنع وكلام الجويني يشعر بأن الخلاف ليس مبنيا على هذا الأصل بل هو جار مع القول بأن أصل الإجماع ظني وإذا قلنا بالاكتفاء بالآحاد في نقله كالسنة فهل ينزل الظن المتلقي من أمارات وحالات منزلة الظن الحاصل من نقل العدول قال ابن الأنباري فيه خلاف