المسلك السابع : الشبه .
ويسميه بعض الفقهاء الاستدلال بالشيء على مثله وهو عام أريد به خاص إذ الشبه يطلق على جميع أنواع القياس لأن كل قياس لا بد فيه من كون الفرع شبيها بالأصل بجامع بينهما وهو من أهم ما يجب الاعتناء به قال ابن الأنباري لست أرى في مسائل الأصول مسألة أغمض منه وقد اختلفوا في تعريفه فقال إمام الحرمين الجويني لا يمكن تحديده وقال غيره يمكن تحديده فقيل هو الجمع بين الأصل والفرع بوصف يوهم اشتماله على الحكمة المقتضية للحكم من غير تعيين كقول الشافعي في النية في الوضوء والتيمم طهارتان فأني تفترقان كذا قال الخوارزمي في الكافي قال في المحصول ذكروا في تعريفه وجهين : .
الأول : ما قاله القاضي أبو بكر وهو أن الوصف إما يكون مناسبا للحكم بذاته وإما لا يناسبه بذاته لكنه يكون مستلزما لما يناسبه بذاته وإما أن لا يناسبه بذاته ولا يستلزم ما يناسبه بذاته فالأول هو الوصف المناسب والثاني الشبه والثالث الطرد .
الثاني : الوصف الذي لا يناسب الحكم أما أن يكون عرف بالنص تأثير جنسه القريب في الجنس القريب لذلك الحكم وإما أن يكون كذلك والأول هو الشبه لأنه من حيث هو غير مناسب يظن أنه غير معتبر في حق ذلك الحكم ومن حيث إنه علم تأثير جنسه القريب في الجنس القريب لذلك الحكم مع أن سائر الأوصاف ليس كذلك يكون ظن إسناد الحكم إليه أقوى من ظن إسناده إلى غيره انتهى وحكى ابن الأنباري في شرح البرهان عن القاضي أنه ما يوهم الاشتمال على وصف مخيل ثم قال وفيه نظر من جهة أن الخصم قد ينازع في إيهام الاشتمال على مخيل إما حقا أو عنادا ولا يمكن التقرير عليه قال الزركشي والذي في مختصر التقريب من كلام القاضي أن قياس الشبه هو إلحاق فرع بأصل لكثرة إشباهه للأصل في الأوصاف من غير أن يعتقد أن الأوصاف التي شابه الفرع بها الأصل علة حكم الأصل وقيل الشبه هو الذي لا يكون مناسبا للحكم ولكن عرف اعتبار جنسه القريب في الجنس القريب واختلف في الفرق بينه وبين الطرد فقيل إن الشبه الجمع بينهما بوصف يوهم المناسبة كما تقدم والطرد الجمع بينهما بمجرد الطرد وهو السلامة عن النقض ونحوه وقال الغزالي في المستصفى الشبه لا بد أن يزيد على الطرد بمناسبة الوصف الجامع لعلة الحكم وإن لم يناسب الحكم قال وإن لم يريدوا بقياس الشبه هذا فلا أدري ما أرادوا به وبم فصلوه عن الطرد المحض والحاصل أن الشبهي والطردي يجتمعان في عدم الظهور في المناسب ويتخالفان في أن الطردي عهد من الشارع عدم الالتفات إليه وسمي شبها لأنه باعتبار الوقوف على المناسبة يجزم المجتهد بعدم مناسبته ومن حيث اعتبار الشرع له في بعض الصور يشبه المناسب والطردي وفرق إمام الحرمين بين الشبه والطرد بأن الطرد نسبة ثبوت الحكم إليه ونفيه على السواء والشبه نسبة الثبوت إليه مترجحة على نسبة النفي فافترقا قال ابن الحاجب في مختصر المنهى ويتميز يعني الشبه عن الطردي بأن وجوده كالعدم وعن المناسب الذاتي بأن مناسبته عقلية وإن لم يرد الشرع به كالاسكار في التحريم مثاله طهارة تراد للصلاة فيتعين الماء كطهارة الحدث فالمناسبة غير ظاهرة واعتبارها في مس المصحف والصلاة يوهم المنسابة انتهى واختلفوا في كونه حجة أم لا عى مذاهب .
الأول : أنه حجة وإليه ذهب الأكثرون .
الثاني : أنه ليس حجة قال ابن السمعاني وبه قال أكثر الحنفية وإليه ذهب من ادعى التحقيق منهم وإليه ذهب القاضي أبو بكر والأستاذ أبو منصور وأبو إسحاق المروزي وأبو إسحاق الشيرازي وأبو الصيرفي والقاضي أبو الطيب الطبري .
الثالث : اعتباره في الأشياء الراجعة إلى الصورة .
الرابع : اعتباره فيما غلب على الظن أنه مناط الحكم بأن يظن انه مستلزم لعلة الحكم فمتى كان كذلك صح القياس سواء كانت المشابهة في الصورة او المعنى وإليه ذهب الفخر الرازي وحكاه القاضي في التقريب عن ابن سريج .
الخامس : إن تمسك به المجتهد كان حجة في حقه إن حصلت غلبة الظن وإلا فلا وأما المناظر فيقبل منه مطلقا هذا ما اختاره الغزالي في المستصفى .
وقد احتج القائلون بأنه حجة بأنه يفيد غلبة الظن فوجب العمل له واحتج القائلون بأنه ليس بحجة بوجهين .
الأول : أن الوصف الذي كان شبها إن كان مناسبا فهو معتبر بالاتفاق وإن كان غير مناسب فهو الطرد المردود بالاتفاق .
الثاني : أن المعتمد في إثبات القياس على عمل الصحابة ولم يثبت عنهم أنهم تمسكوا بالشبه وأجيب عن الأول بأنا لا نسلم أن الوصف إذا لم يكن مناسبا كان مردودا بالاتفاق بل ما لا مناسبا إن كان مستلزما للمناسب أو عرف بالنص تأثير جنسه القريب في الجنس القريب لذلك الحكم فهو غير مردود وعن الثاني بأنا نعول في إثبات هذا النوع من القياس على عموم قوله : فاعتبروا على ما ذكرنا أنه يجب العمل بالظن ويجاب عن هذين الجوابين أنا لا نسلم أن ما كان مستلزما للمناسب كالمناسب ولا يحصل به الظن بحال ولا تدل عليه الآية بوجه من وجوه الدلالة كما سبق تقريره في أول مباحث القياس