المسألة الخامسة : إنه لا يشترط في النسخ أن يخلفه بدل .
وإليه ذهب الجمهور وهو الحق الذي لا سترة به فإنه قد وقع النسخ في هذه الشريعة المطهرة لأمور معروفة لا إلى بدل ومن ذلك نسخ تقديم الصدقة بين يدي مناجاة الرسول ونسخ ادخار لحوم الأضاحي ونسخ تحريم المباشرة بقوله سبحانه : { فالآن باشروهن } ونسخ قيام الليل في حقه صضص وأما ما تمسك به المخالفون وهم بعض المعتزلة وقيل كلهم والظاهرية من قوله سبحانه : { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } فلا دلالة في ذلك على محل النزاع فإن المراد نسخ لفظ الآية كما يدل على ذلك قوله : { نأت بخير منها أو مثلها } فليس لنسخ الحكم ذكر في الآية ولو سلمنا لجاز أن يقال إن إسقاط ذلك الحكم خير من ثبوته في ذلك الوقت وقد نص الشافعي في الرسالة على أنه يختار ما ذهب إليه القائلون باشتراط البدل فقال وليس ينسخ فرض أبدا إلا أثبت مكانه فرض كما نسخت قبلة بيت المقدس فأثبت مكانها الكعبة قال وكل منسوخ في كتاب الله وسنته صضص هكذا قال الصيرفي وأبو إسحاق إنما أراد الشافعي بهذه العبارة أنه ينقل من حظر إلى إباحة من إباحة إلى حظر أو يخبر على حسب أحوال المفروض كما في المناجاة فإنه كان يناجي النبي صضص بلا تقديم صدقة ثم فرض الله تقديم الصدقة ثم أزال ذلك فردهم على ما كانوا عليه وهذا الحمل هو الذي ينبغي تفسير كلام الشافعي به فإن مثله لا يخفي عليه وقوع النسخ في هذه الشريعة بلا بدل ولا شك في أنه يجوز ارتفاع التكليف بالشيء والنسخ مثله لأنه رفع تكليف ولم يمنع من ذلك شرع ولا عقل بل دل الدليل على الوقوع