المسألة الثانية عشرة : التخصيص بالشرط وحقيقته في اللغة العلامة .
كذا قيل واعترض عليه بما في الصحاح وغيره من كتب اللغة بأن الذي بمعنى العلامة هو الشرط بالتحريك وجمعه أشراط ومنه أشراط الساعة أي علاماتها وأما الشرط بالسكون فجمعه شروط هذا جمع الكثرة فيه ويقال في جمع القلة منه أشرط كفلوس وأفلس وأما حقيقة في الاصطلاح فقال الغزالي الشرط ما لا يوجد المشروط دونه ولا يلزم أن يوجد عنده واعترض عليه بأنه يستلزم الدور لأنه عرف الشرط بالمشروط وهو مشتق منه فيتوقف على تعلقه وبأنه غير مطرد لأن جزء السبب كذلك فإنه لا يوجد السبب بدونه ولا يلزم أن يوجد عنده وليس بشرط وأجيب عن الأول بأن ذلك بمثابة قولنا شرط الشيء ما لا يوجد ذلك الشيء بدونه وظاهر أن تصور حقيقة المشروط غير محتاج إليه في تعقل ذلك وعن الثاني بأن جزء السبب قد يوجد المسبب بدونه إذا وجد سبب آخر وقال في المحصول إن الشرط هو الذي يتوقف عليه المؤثر في تأثيره لا في ذاته وقال ولا ترد عليه العلة لأنها نفس المؤثر والشيء لا يتوقف على نفسه ولا جزء العلة ولا شرط العلة لأن العلة تتوقف عليه في ذاتها انتهى واعترض عليه بأنه غير منعكس لأن الحياة شرط في العلم القديم ولا يتصور هاهنا تأثير ومؤثر إذ المحوج إلى المؤثر هو الحدوث وقيل الشرط ما يستلزم نفيه نفي أمر آخر لا على جهة السببية فيخرج السبب وجزؤه ورد بأن الفرق بين السبب والشرط يتوقف على فهم المعنى المميز بينهما ففيه تعريف الشيء بمثله في الخفاء وقيل هو ما استلزم عدمه عدم أمر مغاير وهو كالذي قبله وأحسن ما قيل في حده أنه ما يتوقف عليه الوجود ولا دخل له في التأثير والإفضاء فيخرج جزء السبب لأنه وإن توقف عليه السبب لكن له دخل في الإفضاء إليه ويخرج سبب الشيء بالنسبة إليه بالطريق الأولى وتخرج العلة لأنها وإن توقف عليها الوجود فهي مع ذلك مؤثرة والشرط ينقسم إلى أربعة أقسام عقلي وشرعي ولغوي وعادي فالعقلي كالحياة للعلم فإن العقل هو الذي يحكم بأن العلم لا يوجد إلا بحياة فقد توقف وجوده على وجودها عقلا والشرعي كالطهارة للصلاة فإن الشرع هو الحاكم بأن الصلاة لا توجد إلا بطهارة فقط توقف وجود الصلاة على وجود الطهارة شرعا واللغوي كالتعليقات نحو أن ما دخلت عليه أداة الشرط هو الشرط والمعلق عليه هو الجزاء ويستعمل الشرط اللغوي في السبب الجعلي كما قال إن دخلت الدار فأنت طالق والمراد أن الدخول سبب للطلاق يستلزم وجوده وجوده لا مجرد كون عدمه مستلزما لعدمه من غير سببيته وبهذا صرح الغزالي والقرافي وابن الحاجب وشراح كتابه ويدل على هذا القول النحاة في الشرط والجزاء بأن الأول سبب والثاني مسبب والشرط العادي كالسلم لصعود السطح فإن العادة قاضية بأن لا يوجد الصعود إلا بوجود السلم أو نحوه مما يقوم مقامه ثم الشرط قد يتحد وقد يتعدد ومع التعدد قد يكون كل واحد شرطا مستقلا فيحصل المشروط بحصول واحد منها فإذا قال إن دخلت الدار وأكلت وشربت فأنت طالق لم تطلق إلا بالدخول والأكل والشرب وإن قال إن دخلت أو أكلت أو شربت فأنت طالق طلقت بواحدة منها واعلم أن الشرط كالاستثناء في اشتراط الاتصال وفي تعقبه لجمل متعددة قال الرازي في المحصول اختلفوا في أن الشرط الداخل على الجمل هل يرجع حكمه إليها بالكلية فاتفق الإمامان أبو حنيفة والشافعي على رجوعه إلى الكل وذهب بعض الأدباء إلى أنه يختص بالجملة التي تليه حتى إنه إذا كان متأخرا اختص بالجملة الأخيرة وإن كان متقدما اختص بالجملة الأولى والمختار التوقف كما تقدم في مسألة الاستثناء ثم قال اتفقوا على وجوب اتصال الشرط بالكلام ودليله ما مر في الاستثناء واتفقوا على أنه يجوز التقييد بشرط يكون الخارج به أكثر من الباقي وإن اختلفوا فيه على الاستثناء انتهى فقد حكى الاتفاق في هاتين الصورتين كما تراه