وكون الحكم يجوز تعليله بعلتين مسألة خلاف بين أئمة الأصول فمن قال بجوازه قال لا يشترط انعكاس العلة كما أشير إليه بقوله في النظم عند البعض والمختار تعدد العلل المستقلة بإثبات الحكم بمعنى أنها إذا وجدت منفردة ثبت بها الحكم ومثاله وجوب القتل فإنه حكم ثابت بعلة القصاص وبعلة الردة وبعلة ترك الصلاة وبعلة الزنى من المحصن فكل واحدة علة مستقلة يثبت بها الحكم وقال المانع إن المثال متردد الحكم لا العلة قال فالقتل بالقصاص غيره بالردة مستدلا بأنه ينتفي القتل بالقصاص عند العفو مثلا ويبقى القتل بالردة ولو كان متحدا لانتفاء القتل من حيث هو وأجيب بأن تعدد الإضافة لا يوجب الاختلاف الذاتي وإلا لزم تعدد الواحد بالشخص باعتبار الاضافات كالأبوة والبنوة والأخوة وأما ارتفاع بعضها دون بعض كما في الصورة المذكورة فلا يضرنا لأنه لمقتض أوجب ذلك ولا يلزم منه ثبوت تعدد الحكم في كل ما وقع فيه النزاع ألا ترى أن الغسل إذا وجب بالحيض والوطء كفى غسل واحد ولو تعدد لتعدد العلل ما كفى ذلك وهذا شرح صدر البيت .
وأما عجزه فإنه لما لم يكن من شروط العلة بل بحث آخر أتى بثم إشارة إلى أنه حكم آخر مترتب على ما قبله وهو حكم من أحكام العلة وقدم النفي لكونه الأصل فإن الوجوب طار على العدم والمصدر بمعنى اسم المفعول أي منفيا كما يدل له المقابلة بقوله مثبتا ثم إن التعليل بالمثبت والأغلب كما دلت له العبارة وعليه وقع الاتفاق وفي التعليل بالعدم خلاف فالحنفية لا يجوزون التعليل به والحق جوازه ووقوعه قال تعالى لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل و لكي لا يكون دولة بين الأغنياء و لكي لا تأسوا على ما فاتكم قالوا النفي بمعنى الإثبات وهو الكف وهو أمر محقق وجودي قلنا عاد الخلاف لفظيا على أن المعلوم لغة أنه لا يفهم من قوله لعبده لم يمتثل إلا سلب ما دخلت عليه آلة النفي لا لأنه قعد أو كف نفسه فدعوى ما ذكرتم افتراء على اللغة إذ آلة النفي الداخلة على الفعل إنما تفيد سلبه ثم لا يخفى أن الصور أربع