والحجة للقول الثاني قوله تعالى فاعتبروا يا أولي الأبصار ورسول الله A أولي الناس بهذا الوصف الذي ذكره عند الأمر بالاعتبار فعرفنا أنه داخل في هذا الخطاب قال تعالى ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم وقد دخل في جملة المستنبطين من تقدم ذكره فعرفنا أن الرسول من جملة الذين أخبر الله أنهم يعلمون بالاستنباط وقال تعالى ففهمناها سليمان والمراد أنه وقف على الحكم بطريق الرأي لا بطريق الوحي لأن ما كان بطريق الوحي فداود وسليمان عليهما السلام فيه سواء وحيث خص سليمان عليه السلام بالفهم عرفنا أن المراد به بطريق الرأي وقد حكم داود بين الخصمين حين تسوروا المحراب بالرأي فإنه قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وهذا بيان بالقياس الظاهر .
وقال النبي عليه السلام للخثعمية أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيت أكان يقبل منك وهذا بيان بطريق القياس .
وقال لعمر Bه حين سأله عن القبلة للصائم أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته أكان يضرك وقال في حرمة الصدقة على بني هاشم أرأيت لو تمضمضت بالماء أكنت شاربه وهذا بيان بطريق القياس في حرمة الأوساخ واستعمال المستعمل .
وقال إن الرجل ليؤجر في كل شيء حتى في مباضعة أهله فقيل له يقضي أحدنا شهوته ثم يؤجر على ذلك قال أرأيتم لو وضع ذلك فيما لا يحل هل كان يأثم به قالوا نعم .
قال فكذلك يؤجر إذا وضعه فيما يحل وهذا بيان بطريق الرأي والاجتهاد .
والدليل عليه أنه كان مأمورا بالمشاورة مع أصحابه قال تعالى وشاورهم في الأمر وقد صح أنه كان يشاورهم في أمر الحرب وغير ذلك حتى روي أنه شاور أبا بكر وعمر Bهما في مفاداة الأسارى يوم بدر فأشار عليه أبو بكر بأن يفادي بهم ومال رأيه إلى ذلك حتى نزل قوله تعالى لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ومفاداة الأسير بالمال جوازه وفساده من أحكام الشرع ومما هو حق الله تعالى وقد شاور فيه أصحابه وعمل فيه بالرأي إلى أن نزل الوحي بخلاف ما رآه فعرفنا أنه كان يشاورهم في الأحكام كما في الحروب وقد شاورهم فيما يكون جامعا لهم في أوقات الصلاة ليؤدوها بالجماعة ثم لما جاء عبد الله بن زيد Bه وذكر ما رأى في المنام من أمر الأذان