إني جاعلك للناس إماما فالأصل في كل فعل يكون منهم جواز الاقتداء بهم إلا ما يثبت فيه دليل الخصوصية باعتبار أحوالهم وعلو منازلهم وإذا كان الأصل هذا ففي كل فعل يكون مبهم بصفة الخصوص يجب بيان الخصوصية مقارنا به إذ الحاجة إلى ذلك ماسة عند كل فعل يكون ( منهم ) حكمه بخلاف هذا الأصل والسكوت عن البيان بعد تحقق الحاجة دليل النفي فترك بيان الخصوصية يكون دليلا على أنه من جملة الأفعال التي هو فيها قدوة أمته .
فصل في بيان طريقة رسول الله A في إظهار أحكام .
الشرع قد بينا أنه كان يعتمد الوحي فيما بينه من أحكام الشرع .
والوحي نوعان ظاهر وباطن .
فالظاهر منه قسمان ( أحدهما ) ما يكون على لسان الملك بما يقع في سمعه بعد علمه بالمبلغ بأنه قاطعة وهو المراد بقوله تعالى قل نزله روح القدس من ربك بالحق وبقوله تعالى إنه لقول رسول كريم الآية والآخر ما يتضح له بإشارة الملك من غير بيان بكلام وإليه أشار رسول الله A في قوله إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب والوحي الباطن هو تأييد القلب على وجه لا يبقى فيه شبهة ولا معارض ولا مزاحم وذلك بأن يظهر له الحق بنور في قلبه من ربه يتضح له حكم الحادثة به وإليه أشار الله تعالى بقوله لتحكم بين الناس بما أراك الله وهذا كله مقرونا بالابتلاء ومعنى الابتلاء هو التأمل بقلبه في حقيقته حتى يظهر له ما هو المقصود وكل ذلك خاص لرسول الله تثبت به الحجة القاطعة ولا شركة للأمة في ذلك إلا أن يكرم الله به من شاء من أمته لحقه وذلك الكرامة للأولياء .
وأما ما يشبه الوحي في حق رسول الله A فهو استنباط الأحكام من النصوص بالرأي