واعتقاد الحقية لا يكون دون الابتلاء بالعمل وربما يكون ذلك أهم ألا ترى أن في المتشابه ما كان الابتلاء إلا بعقد القلب عليه واعتقاد الحقية فيه .
وكذلك في المجمل الذي لا يمكن العمل به إلا بعد البيان يكون الابتلاء قبل البيان بعقد القلب عليه واعتقاد الحقية فيه ويكون ذلك حسنا لا يشوبه من معنى القبح شيء فكذلك الأمر الذي يرد النسخ عقيبه قبل التمكن من الفعل ويعتبر هذا بإحياء الشخص فقد تبين انتهاء مدة حياته بالموت قبل أن يصير منتفعا بحياته إما في بطن أمه بأن ينفصل ميتا أو بعد الانفصال قبل أن ينتفع بحياته وأحد لا يقول إنه يتمكن فيه معنى البداء أو إنه يجتمع فيه معنى الحسن والقبح يوضحه أن الواحد منا قد يأمر عبده ومقصوده من ذلك أن يظهر عند الناس حسن طاعته وانقياده له ثم ينهاه عن ذلك بعد حصول هذا المقصود قبل أن يتمكن من مباشرة الفعل ولا يجعل ذلك دليل البداء منه وإن كان ممن يجوز عليه البداء فلأن لا يجعل النسخ قبل التمكن من الفعل بعد عزم القلب واعتقاد الحقية موهما للبداء في حق من لا يجوز عليه البداء أولى وإنما يجتمع الحسن والقبح في شيء واحد إذا كان مأمورا به ومنهيا عنه في وقت واحد وذلك لا يكون مع أن الحسن مطلقا ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع يقرره أن تمام الحسن على ما يزعمون إنما يظهر عند مباشرة العمل والإطلاق يقتضي صفة الكمال ثم بالاتفاق يجوز النسخ بعد التمكن من الفعل قبل حقيقة الفعل لأن معنى الحسن فيه كامل من حيث عقد القلب واعتقاد الحقية فيه فكذلك قبل التمكن ولا نقول بأن مثل هذا البيان لا يجوز مقرونا بالأمر فإنه لو قال افعل كذا في وقت كذا ( إن لم أنسخه عنك كان ذلك أمرا مستقيما بمنزلة قوله افعل كذا في وقت كذا ) إن تمكنت منه وتكون الفائدة في الحال هو القبول بالقلب واعتقاد الحقية فيه فكذلك يجوز مثله بعد الأمر بطريق النسخ والله الموفق .
فصل في بيان الناسخ .
قال Bه اعلم بأن الحجج أربعة الكتاب والسنة والإجماع