قال الله - تبارك وتعالى - في المَمْلوكات : " فَإِذَا أُحْصِنَّ : فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ ( 25 ) " [ النساء ] .
والنِّصْف لا يكون إلا من الجَلْدِ الذي يَتَبَعَّضُ فأما الرَّجْم - الذي هو قتل - فلا نصفَ له لأن المرجوم قد [ ص 134 ] يموت في أوَّل حَجَرٍ يُرْمى به فلا يُزاد عليه ويُرْمى بألفٍ وأكثر فيُزادُ عليه حتى يموت فلا يكون لهذا نِصف محدود أبداً .
والحدود مُوَقَّتة بإتْلاف نفْسٍ والإتلاف مُوَقَّتٌ بِعَدَدِ ضَرْبٍ أو تحديد قطعٍ وكل هذا معروف ولا نصف للرجمِ مَعْروفٌ .
[ ص 135 ] وقال رسول الله : " إذَا زَنَتْ أمَةُ أحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا " ( 1 ) ولم يقل : ( يَرْجُمْهَا ) ولم يختلف المسلمون في ألاَّ رَجْمَ على مَمْلُوكٍ في الزِّناَ .
وإحصانُ الأمة إسلامُها .
وإنما قلنا هذا استدلالاً بالسنة وإجماعِ أكْثرِ أهْل العِلْم .
ولَمَّا قال رسول الله : " إذَا زَنَتْ أمَةُ أحَدِكُمْ فَتَبَيًّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا " ولم يقل : ( مُحْصَنَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنَةً ) استدللنا [ ص 136 ] على أنَّ قول الله في الإماء : " فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ ( 25 ) " [ النساء ] إذا أسْلَمْنَ لا إذا نُكِحْنَ فأُصِبْنَ بالنكاح ولا إذا أَعتَقْنَ وإنْ لَمْ يُصَبْن .
فإن قال قائل : أراكَ تُوقِع الإحْصان على معاني مختلف ؟ .
قيل : نَعَم جِماعُ الإحصان أن يكون دون التحصين مانعٌ من تناول المُحَرَّم . فالإسلام مانع وكذلك الحُرية مانعة وكذلك الزوجُ والإصابةُ مانع وكذلك الحبس في البيوت مانع وكلُّ ما مَنَعَ أَحْصَنَ . قال الله : " وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ ( 80 ) " [ الأنبياء ] وقال : " لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ ( 14 ) " [ الحشر ] يعني : ممنوعة .
قال : وآخِرُ الكلام وأوَّلُه يَدُلان على أن معنى الإحصان المذكورِ عامًّا في موضع دون غيره : أن الإحصان [ ص 137 ] هاهُنَا الإسلامُ دون النكاح والحرية والتحصينِ بالحبس والعفاف . وهذه الأسماءُ التي يَجْمعها اسم الإحصان .
_________ .
( 1 ) البخاري : كتاب البيوع / 2080 مسلم : كتاب الحدود / 3215 أحمد : باقي مسند المكثرين / 7088