قال : " الشافعي " : وضع الله رسوله من دينه وفرْضِه وكتابه الموضعَ الذي أبان - جل ثناؤه - أنه جعله عَلَمًا لدينه بما افترض من طاعته وحرَّم من معصيته وأبان من فضيلته بما قَرَن من الإيمان برسوله مع الإيمان به .
فقال تبارك وتعالى : " فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا : ثَلَاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ . إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ( 171 ) " [ النساء ] .
[ ص 75 ] وقال : " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ( 62 ) " [ النور ] .
فجعل كمال ابتداء الإيمان الذي ما سواه تَبَع له : الإيمانَ بالله ورسوله .
فلو آمن عبد به ولم يؤمن برسوله : لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبداً حتى يؤمن برسوله معه .
وهكذا سَنَّ رسولُ الله في كل من امتحنه للإيمان .
أخبرنا " مالك " عن " هلال بن أسامة " عن " عطاء بن يسار " عن " عُمَر بن الحَكَم " قال : " أتَيْتُ رسولَ اللهِ بِجَارِيَةٍ فَقُلْتُ : ياَ رَسُولَ اللهِ عَلَيَّ رَقَبَةٌ أَفَأَعْتِقُهَا ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ : أَيْنَ اللهُ ؟ فَقَالَتْ : فِي السَّمَاءِ . فَقَالَ : وَمَنْ أَنَا ؟ قَالَتْ : أَنْتَ رَسُولُ اللهِ . قَالَ : فَأَعْتِقْهَا " ( 1 ) .
[ ص 76 ] قال " الشافعي " : وهو " معاوية بن الحكم " وكذلك رواه غيرُ مالك وأظن مالكً ( 1 ) لم يحْفَظ اسمَه .
قال " الشافعي : " ففرض الله على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله .
فقال في كتابه : " رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ . إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 129 ) " [ البقرة ] .
وقال جل ثناؤه : " كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ( 151 ) " [ البقرة ] .
[ ص 77 ] وقال : " لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ( 164 ) " [ آل عمران ] .
وقال جل ثناؤه : " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ( 2 ) " [ الجمعة ] .
وقال : " وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ ( 231 ) " [ البقرة ] .
وقال : " وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ( 113 ) " [ النساء ] .
وقال : " وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ [ ص 78 ] اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ . إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ( 34 ) " [ الأحزاب ] .
فذكر الله الكتاب وهو القُرَآن وذكر الحِكْمَة فسمعتُ مَنْ أرْضى من أهل العلم بالقُرَآن يقول : الحكمة سنة رسول الله .
وهذا يشبه ما قال والله أعلم .
لأن القُرَآن ذُكر وأُتْبِعَتْه الحكمة وذكرَ الله منَّه على خَلْقه بتعليمهم الكتاب والحكمة فلم يَجُزْ - والله أعلم - أن يقال الحكمة هاهنا إلا سنةُ رسول الله .
وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله وأن الله افترض طاعة رسوله وحتَّم على الناس اتباع أمره فلا يجوز أن يقال لقول : فرضٌ إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله .
لِمَا وصفنا من أنَّ الله جَعَلَ الإيمان برسوله مقروناً بالإيمان به .
[ ص 79 ] وسنة رسول الله مُبَيِّنَة عن الله معنى ما أراد دليلاً على خاصِّه وعامِّه ثم قرن الحكمة بها بكتابه فاتبعها إياه ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسوله .
_________ .
( 1 ) موطأ مالك : كتاب العتق والولاء / 1269 مسند أحمد : باقي مسند الأنصار / 22645 سنن النسائي : كتاب الوصايا / 3593 .
( 2 ) هكذا رُسم منصوباً بغير ألف وهو جائز على لغة بني ربيعة وقدمنا التعليق عليه ص 59